للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نحن بنو الشيخ الهجان الأزهر ... [و] النسب المعروف غير المنكر (١)

وقد صبغ نفسه بالعلم والأدب، وراضها بالدّءوب والنصب، وسما للمعالي من الرتب، وجعل القرآن جعاره (٢)، والفقه والسنن نوره ونوّاره، وأجلى آدابه بقول الشعر الذي يفوت في معانيه دقائق إسماعيل (٣)، وفي ألفاظه عذوبة كثيّر وجميل. وممّا قاله، يدعو إلى الخروج، ويصف نفسه وأصحابه بالمذهب الجميل [الوافر]:

سأطلب للعلاء بكلّ ليث ... له زأر بذكر الله وحده

له ممّا تصوغ الهنديّات ... وممّا حاكه داود لبده

يردّ الرمح أزرق في احمرار ... كناظر أزرق خضبته رمده

وهو البيت الذي لم يدنس ذكره، ولم يملك أمره، ومن تجتمع النّحل مع اختلافها على قبوله، وتطّلع الأعين والقلوب إلى بروز نجله وسليله.

[[سعيه بين أمراء العرب وأمراء الأتراك]]

ثمّ إنّه كوتب من الموصل بالسير إليها، وعرض عليه صاحبها معتمد الدولة أبو المنيع قرواش بن المقلّد وزارته بعد موت الكافي وزيره. فسار عن ميافارقين، وديار بكر، على أنّه يتصفّح العمّال، ويعتبر أحوال الأعمال، حتى قرب من الموصل فأسرى في الليل وصبح الموصل، فاجتمع بصاحبها. وقلّده وزارته وبعثه في الرسالة [٤٦٠ ب]

إلى بغداد ليتوسّط بين السلطان مشرّف الدولة أبي علي، وبين معتمد الدولة أبي المنيع قرواش.

فاجتمع برؤساء الأتراك والديلم واستمالهم إلى نفسه ليلي الوزارة، وراسل الأثير أبا المسك عنبر واستماله. فلمّا قبض مشرّف الملك على مؤيّدالملك سيّد الوزراء أبي علي الحسين بن الحسن الرّخّجيّ (٤) في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة، كوتب أبو القاسم ابن المغربيّ بالورود. فورد إلى بغداد وتقلّد وزارة مشرّف الدولة في رمضان المذكور بغير خلع ولا لقب ولا مفارقة للدرّاعة.

فطعن عليه بدار الخلافة في مذهبه وأنكر اسمه المغربيّ الذي عرف به، وذمّ لخاصّة الملك السعيد مشرّف الدولة. وأنكر عليه كونه ردّ أمور وزارته إليه مع ما يظنّ به من اعتقاد المصريّ (٥) والتديّن به، وكان ذلك عند تجديد البيعة على الأولياء الأتراك ببغداد. وأشير إلى أنّ هذا الأمر مقدّمة لأمر يستأنف عقده معهم.

[رسالته إلى مشرّف الدولة في رفع التهمة عن نفسه]

فكتب في هذا المعنى ما يكشف وجه الشبهة في أمره ويزيل الظّنّة: الدهر أبو العجائب وذو الغرائب، إلّا أنّي ما ظننته يبدع هذه البدعة الشنعاء، ولا يطرّق هذه الظنّة النكراء. وينبغي أن أعدل عن الاحتجاج للملك أدام الله بقاءه، وأعزّ نصره ولواءه، وللمؤتمن على تدبيره، والسفير بينه وبين عسكره، أدام الله تمكينه، بأنّ الله يعلم، والناس يعلمون، خلوص النيّة لهما في الطاعة، والبعد من هذه الشناعة. فإنّ تشاغلي بما يخصّني


(١) الهجان: كريم النسب نقيّه، وأيضا الأبيض خلافا للمتعارف (اللسان).
(٢) الجعار: الحبل يتمسّك به.
(٣) إسماعيل في الشعراء: أبو العتاهية، أو السيّد الحميريّ، أو الصاحب بن عبّاد، وهو الأقرب.
(٤) الوزير الرخّجيّ له ترجمة في الوافي ١٢/ ٣٥٦ (٣٣٨) توفّي سنة ٤٣٠.
(٥) أي: التشيّع.

<<  <  ج: ص:  >  >>