للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: بل عن خبر، ولقد كنّا نخبر بقوص عن أخبارهم في وقعة عين جالوت منزلة منزلة في قدومهم وذهابهم.

فجاء الخبر بعد أيّام بأنّ الوقعة كانت يوم الخميس رابع عشر رجب، وانفصل الحال فيها بالنصر على التتار بعد العصر.

ولمّا خرج الأمير علم الدين سنجر الدواداريّ مسافرا، قال ابن دقيق العيد: ما بقي يرجع- فلم يرجع من سفره إلى مصر.

ودعا على نور الدين [ ... ] ابن الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز ابن الخليليّ لأمر آلمه به، فمات في تلك المدّة.

وكان الصاحب تاج الدين محمد ابن حنّا في نفسه منه. فبعث إليه بفقير ليسأله في شيء ممّا أوصى به ابن الأرسوفيّ وقال له: إن قال لك: «فرغت»، قل له: لو كان فلان القوصيّ وفلانة دفعتوا (١) له؟

فأتى إلى ابن دقيق العيد، وذكر له ما رتّبه فيه الصاحب، فرفسه بغل فمات في ساعته.

وقال لابن القسريّ: نعيت [١٦٦ ب] لي في هذا المجلس ثلاث مرّات. فمات بعد ثلاثة أيّام.

[[صبره على المطالعة]]

(قال): وكان يسهر الليل، وقرأ ليلة حتى بلغ قوله تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [المؤمنون: ١٠١]، فما زال يكرّرها إلى مطلع الفجر. وكان له قدرة على المطالعة يومئذ: رأيت عيون الأدلّة لابن القصّار في نحو ثلاثين مجلّدة، وعليها علامات له.

وكذلك رأيت السنن الكبير للبيهقيّ، في كلّ مجلّدة علامته. ولمّا ظهر الشرح الكبير للرافعيّ

اشتراه بألف درهم، وصار يصلّي الفرائض فقط ويشتغل بالمطالعة إلى أن أنهاه. وذكر عنده، هو والغزالي، في الفقه، فقال: الرافعيّ في السماء.

ويقال إنّه طالع كتب الفاضليّة عن آخرها، وقال: ما خرجت من باب من أبواب الفقه، واحتجت أن أعود إليه.

(قال): وأمّا نقده وتدقيقه فلا يوازى فيه. قال فيه صدر الدين ابن الوكيل، وكان لا يحبّه، ويتكلّم فيه: أمّا إذا نقل وحرّر فلا يوفيه أحد.

وقال علاء الدين علي بن خطّاب الباجيّ: كان عالما صحيح الذهن.

وحكى عنه غير واحد أنّه كان يملي شرح الإلمام من لفظه وحفظه.

[خفّة روحه]

(قال): وكان مع ذلك خفيف الروح لطيفا، على نسك وورع ودين منيع، ينشد الشعر، والموشّح، والزجل، والبلّيق، والمواليا، وكان وكان، ويستحسن ذلك: دخل عليه فتح الدين محمد بن أحمد القليوبيّ، فناوله ورقة وقال:

اكتب من هذه نسخة.

فأخذها القليوبيّ، فوجد فيها بلّيقة أوّلها:

كيف أقدر أتوب ... ورأس أيري مثقوب؟

وأنشد بلّيقة أوّلها:

جلد العميرة بالرجاج ولا الزواج

و[هو] يقول: بالزجاج يا فقيه!

وقال مجير الدين عمر ابن اللمطيّ: جئت إليه فقال: سمعت إنسانا ينشد خارج الكامليّة:

بكيت، قالوا: عاشق ... سكتّ، قالوا: قد سلا


(١) أي: دفعتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>