للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[رجوع السلطان إلى العطف عليه]]

ثمّ إنّه استدعاه إلى مصر بعد موت ولده (١)، فقدم يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين. وخرج الأمير ألماس الحاجب [١٣٠ أ] فتلقّاه بقبّة النصر، وصعد به إلى قلعة الجبل.

فأكرمه السلطان وعزّاه في ولده، وحادثه، وخلع عليه، وأنزله في داره على الكبش (٢)، ثمّ خلع عليه، ورسم له بالعود إلى حلب. فسار يومالخميس سادس عشرينه، وقدم حلب. فما زال بها حتى مات ليلة السبت ثامن عشر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، عن بضع وأربعين سنة.

وكان رئيسا كبيرا في بيت السلطان، يخضع له الكبار ويأتمرون بأمره، وله حزب كبير مثل قجليس، ومنكلي، وطشتمر، وقطلوبغا، وطرجيّ.

[[بعض صفاته]]

وكان تركيّ الجنس، فصيحا، مليح الشكل، تفقّه على مذهب أبي حنيفة، وأذن له مشايخ العلم في الإفتاء. وكان يعرف الفقه ودقائقه، ويقصر فهمه في الحساب إلى الغاية. وسمع صحيح البخاريّ على الحجّار بقراءة الفتح محمّد ابن سيّد الناس (٣)، وكتبه بخطّه المليح في مجلّدة واحدة في الليل على ضوء القنديل. واقتنى كتبا كثيرة إلى الغاية.

ولمّا بلغه وهو على نيابة حلب، موت الأمير

قجليس بمصر، بعث بألفي دينار يشتري بها من تركته [١٦٩ أ] كتبا.

وبعث إلى بغداد حتّى استنسخ فتاوى قاضي خان (٤). وعلم الناس برغبته في الكتب، فجلبوا إليه النفائس من كلّ قطر.

واختصّ بالشيخ صدر الدين ابن الوكيل (٥)، والشيخ أثير الدين ابن حيّان (٦)، والشيخ فتح الدين ابن سيّد الناس.

وكان فهما يقظا، لم يسفك بحلب مدّة نيابته بها دما، ولا قطع سارقا، لأنّه كان رفيقا رحيما لا يعاقب على زلّة. ولم يسمع منه أحد في نيابته بمصر وحلب كلمة سوء قطّ، ولا فاه بها لسانه، ولا عرف عنه أنّه ضرب أحدا من الناس غير جنديّ واحد اعترف بين يديه بقلعة الجبل أنّه شرب الخمر فضربه الحدّ.

وكان له في ليلة كلّ جمعة وقت يجتمع فيه عنده القرّاء لقراءة ختمة، فيقرأ معهم، ويحضر أعيان الفقهاء أيضا فيتذاكرون طول ليلتهم.

ولم يعرف عنه أنّه عارض السلطان في أمر من الأمور، سوى في طشتمر الساقي لمّا قبض عليه، فقام في الشفاعة له حتّى أعفاه من النفي، وخلّصه، وضمنه. فكره منه السلطان ذلك وأسرّها في نفسه.

وكان مع ذلك مسيكا (٧)، لا تعرف له مكارم


(١) مات ناصر الدين ابن أرغون بحلب سنة ٧٢٧ في ١٣ شعبان؛ النجوم ٩/ ٢٦٩.
(٢) مناظر الكبش وقلعة الكبش: بجوار الجامع الطولونيّ على جبل يشكر؛ النجوم ٧/ ٧٢ هامش ٢.
(٣) فتح الدين- أبو الفتح محمد بن محمد ابن سيّد الناس، له ترجمة في المقفّى ج ٧/ ١٢٧ رقم ٣٢١٧ (ت ٧٣٤).
(٤) قاضي خان: حسن بن منصور الأوزجندي، فقيه حنفيّ (ت ٥٩٢)؛ الأعلام ٢/ ٢٣٨.
(٥) ابن الوكيل وابن المرحّل: محمد بن عمر بن مكّي (ت ٧١٦)؛ له ترجمة في المقفّى، رقم ٢٩٣٠ ج ٦/ ٤٣٥.
(٦) ابن حيّان الأندلسي: محمد بن يوسف بن علي (ت ٧٤٥) النحوي، له ترجمة في المقفّى ج ٧/ ٥٠٣ رقم ٣٦٠٠.
(٧) مسيك شحيح مثل مسّاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>