للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من حلب غضبان بسبب كلام وقع بينه وبين أبي عبد الله ابن خالويه في مجلس سيف الدولة، فضربه ابن خالويه بمفتاح، في سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة.

وصار إلى مصر مرّة ثانية، ومدح الأستاذ أبا المسك كافور الإخشيديّ، ولم يمدح بمصر غيره سوى فاتك الإخشيديّ المعروف بالمجنون، عند ما بعث إليه من الفيّوم، وكان مقيما بها. [لأنّ الفيّوم وأعمالها كانت إقطاعا له .. وحمل إلى المتنبيّ ألف دينار هديّة وأتبعها] (١) مالا كثيرا وكسوة وجمالا، ومبلغ ذلك ستّمائة دينار. وذلك أنه بلغه تقصير كافور به. فمدحه بقصيدة أوّلها [البسيط]:

[لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

واجز الأمير الذي نعماه فاجئة ... بغير قول، ونعمى الناس أقوال] (١)

وكان المتنبيّ يقف بين يدي كافور، وهو متّكئ على سيفه في عشيّة كلّ عيد، والشعراء تنشد مدائحهم في كافور، فكلّما فرغ شاعر من إنشاده، رفع كافور رأسه إلى المتنبّي وقال: «إيش تقول يا أبا الطيّب في هذا الشاعر؟ » فيقول له ما يمكنه.

وما زال مع كافور كذلك إلى أن هرب ليلة عيد النحر سنة خمسين وثلاثمائة. وسبب هربه تقصير كافور في حقّه: فإنّه طلب منه أن يوليه عملا من أعمال مصر فلم يجبه إلى ذلك فسخط. وعند ما عزم على الهرب من مصر، أرسل إلى أبي بكر الفرغانيّ أحد جلساء كافور يقول له: إنّي أجد

وجعا، وللأستاذ عندي رقعة فيها مهمّ، فتدفعها إليه عشيّة العيد عند العتمة إذا خلا: فقد هنّأته بالعيد وذكرت عذري في التأخّر.

فأخذ الفرغاني الرقعة. وهرب المتنبيّ من ساعته. وأصبح الناس بشغل العيد. وجلس كافور عشيّة العيد للشعراء فسأل عن المتنبّي وقال: سلوا عنه!

فتوانى من قيل له، وتوانى الفرغاني أيضا تلك الليلة في إيصال الرقعة إلى كافور، فلم يوصلها إليه إلّا من الغد. فجاء بها كافور مع العتمة وقال له، والشمع بين يديه: دفع لي عبدك أبو الطيّب المتنبّي رقعة، وهو ضعيف من شيء يجده.

وعرّفني أنّ فيها مهمّا.

فاتّهمه كافور أنّه قد هجاه في الرقعة، فأخذها بيده وقال: أرسلوا إلى أبي الطيّب، سلوا عنه! .

فمضى عدّة من الرسل في طلبه، فانكشف الأمر أنّه هرب. فوضع كافور الرقعة في الشمعة وأحرقها بيده، وعلم أنّه هجاه. وأخذ يسبّ من حسّن له التقصير في أمره، وتحسّر عليه وقلق [٧٧ أ] بذهابه.

[رحيله إلى البويهيّ]:

وقدم المتنبّي على عضد الدولة بشيراز. فلمّا وصل إلى حضرته في أوّل مجلس شاهده فيه قال لأبي القاسم عبد العزيز بن يوسف: اخرج واستوقفه واسأله كيف شاهد مجلسنا، وأين الأمراء الذين لقيهم في نفسه منّا؟ (قال) فامتثلت ما أمرني به ولحقته وجلست معه وحادثته وطاولته وأطلت معه في المعنى الذي ذكره. فكان جوابه عن جميع ما سمعه منّي أن قال:

«ما خدمت عيناي قلبي كاليوم! ».


(١) في المخطوط سقط واضطراب، والإكمال من وفيات الأعيان ٤/ ٢١، ترجمة فاتك المجنون.

<<  <  ج: ص:  >  >>