للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مدينة في الجانب الغربيّ وجعل بينهما جسرا بالسّفن، وبنى قصره بهذه المدينة الغربيّة والقبّة الخضراء التي يقال لها «خضراء واسط» والمسجد الجامع، وعليها سور. ونزلتها الولاة بعد الحجّاج، وما كان من الدهاقين فمنزله بالمدينة الشرقيّة.

فلمّا تفرّغ من عبد الرحمن بن الأشعث، لم يكن له همّ إلّا [٣٢٩ ب] يزيد بن المهلّب وأهل بيته. وقد كان أذلّ أهل العراق كلّهم إلّا آل المهلّب بن أبي صفرة ومن معهم بخراسان. وكان يبعث إليه ليأتيه فيعتلّ بالغدوّ أو بالحروب، فلم يزل بعبد الملك بن مروان يخوّفه ويغريه حتى كتب إليه بعزله فعزله، وولّى قتيبة بن مسلم مكانه، وكتب إليه بعد ما تسلّم عمله: «إنّي قد نظرت في شيء، فإذا أنا ابن ثلاث وخمسين سنة، وأنا وأنت لدة عام واحد، وإنّ امرءا قد سار إلى منهل خمسين سنة لقمين أن يرده، والسلام». ثمّ حبس يزيد بن المهلّب.

فأثخن قتيبة في بلاد الترك وفتخ بخارى وعبر إلى الصغد (١) والطالقان وغيرها من البلاد إلى بحور الصين. وبعث الحجّاج محمد بن القاسم بن الحكم بن أبي عقيل ففتح السند.

ومات عبد الملك بن مروان للنصف من شوّال سنة ستّ وثمانين، وقد استخلف ابنه الوليد بن عبد الملك، فأقرّ الحجّاج على عمله وقد أوصاه عبد الملك بذلك. فنزل الحجّاج من الوليد فعرف منزلته من عبد الملك.

[[انتقامه من الخارجين عليه]]

وفي سنة أربع وتسعين قتل الحجّاج سعيد بن جبير، وذلك أنّه كان ممّن خرج مع عبد الرحمن

ابن الأشعث. وقد كان الحجّاج [است] عمله على عطاء الجند الذين مع ابن الأشعث، فلمّا كان من ابن الأشعث ما كان، فرّ سعيد إلى أصفهان، ثمّ جاء طلب (٢) الحجاج فسار إلى أذربيجان، وطال مقامه بها. ثمّ سقط إلى مكّة ومكث بها مستخفيا حتّى قدم خالد بن عبد الله القسريّ فحذّر الناس سعيدا منه. فقال: «والله لقد فررت حتّى استحييت من الله وسيجيئني ما كتب الله لي». فأخذه خالد، ومعه مجاهد وغيره وبعث بهم إلى الحجّاج مقيّدين. فلمّا دخل سعيد على الحجّاج قال: لعن الله ابن النصرانيّة- يعني خالدا- أما كنت أعرف مكانه؟ بلى والله، والبيت الذي بمكّة.

ثمّ أقبل عليه فقال: يا سعيد، ألم أشركك (٣) في أمانتي؟ ألم أستعملك؟

قال: بلى.

قال: فما أخرجك عليّ؟

قال: إنّما أنا امرؤ من المسلمين يخطئ مرّة ويصيب مرّة.

فطابت نفس الحجّاج، ثمّ عاوده في شيء فقال: إنّما كانت بيعة في عنقي لابن الأشعث.

فغضب الحجّاج وانتفخ وقال: يا شقيّ ابن كسير! أما قدمت الكوفة، وليس يؤمّ بها إلّا عربيّ، فجعلتك إماما؟

قال: بلى.

قال: أفما ولّيتك القضاء، فصاح أهل الكوفة وقال [وا]: لا يصلح القضاء إلّا لعربيّ، فاستقضيت أبا بردة بن أبي موسى وأمرته أن لا يقطع أمرا دونك؟


(١) وعبر ذا الصغد في المخطوط.
(٢) في المخطوط: ثمّ جاء وطلب ...
(٣) في المخطوط: ألم أشكرك، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>