للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للفقراء. فقال له: يا قرطبان (١)، قلت لك: هذه تكفي الفقراء!

وبشّره بالنصرة على الفرنج، فسار وفتح عكّا، فكان بعد ذلك يكتب إليه: مملوكك خليل.

[[معجزاته]]

وكان بدسوق كنيسة يعلن النصارى فيها بأصواتهم عند قراءتهم. فنادى مناديه بتلك النواحي: من أراد يرى الكنيسة التي بدسوق، وهي تنقل إلى البحر، فليحضر يوم كذا!

فاجتمع الناس لذلك. فبعث بخادمه يونس فصار يضرب ركنها بعصاه ويقول: قال لك الشيخ «انتقلي إلى البحر! » فتمرّ إلى أن تدخل البحر حتّى لم يبق من أركانها شيء.

وقال الشيخ مرّة لبحر النيل: يا بحر الله، خذ ساقية نصر الله. فأخذ ساقية نصر الله.

وسقط من رجل مبلغ فضّة في النيل، فسأل الشيخ في ذلك، فرفع السجّادة فإذا هي تحتها.

فأخذها صاحبها مبتلّة بالماء.

ومن كلامه: من لبس هذه الخرقة لا يكون ساهيا ولا لاهيا، ولا نمّاما ولا كذّابا، ولا حسودا ولا حقودا، ولا مرابيا، بل يحسن للأمّة، ويكون قد ملك وتملّك، وسلك وتسلّك، وعلم فعمل، وأوضح مناهج الحقّ والتحقيق، وبيّن معاني أرباب الطريق. ثمّ الويل لمن يدعى لغير سلوك.

وكان يقول: مكتوب على ساق العرش: يا دائم، سبحانك! سبحانك يا دائم!

وكان إذا مدّ القلم إلى الدواة وكتب قال: «هذا ممّا فتح الله به من فتوح الغيب، من روضة النفس، في حضرة القدس» فلا يزال يكتب بتلك المدّة

الواحدة حتّى ينقطع الكلام، سواء قلّ أو كثر.

وكان يقول: لولا الحياء لتركت الفقراء يستمعون على رءوس الأشجار.

[خطبته العينيّة]:

وكان يكتب هذه الخطبة في إجازة الفقراء، وهي: الحمد لله الذي اخترع الأشياء بلطيف قدرته فأحسن فيما اخترع، وألّف الأجساد الكثيفة واللطيفة من عدد آحاد الجواهر وجميع كلّ ذلك يشهد له بالوحدانية، ويستدلّ على وجود الصانع بما صنع. فالعارفون واقفون تحت ظلال جلال أبنية أقبية الورع، ليس لهم مجال في ميدان الكبرياء غير أنّ حماه رحب متّسع، فهم إن همّوا بالذهاب عن الباب، عاقتهم قيود المحبّة فعزّ عليهم الرجوع وامتنع، فمنهم كاتم محبّته قد كفّ شكوى لسانه وقطع، ومنهم قائل: إذا ألهم عذولي دار الملام ودع! أليس قلبي مأوى محبّته فكيف يخفى ما فيه وهو قطع؟ حرموا النوم والسقيم لا يرجو هجوعا إذا الخليّ هجع. فكم لهم عيون تبكي، والبكاء إذا خلا من النفاق نفع، تشفع فيهم دموعهم، وإذا شفع دمع المتيّم فيه شفع. فبينما هم حيارى من الخوف والجزع، سكارى من شراب اليأس والطمع، إذ برز عليهم قمر السعادة، من فلك الإرادة، فتجلّى عن قلوبهم ولمع، ثمّ وقفوا على بساط الانبساط، فافتضّ عليهم من ملابس [٥٣ ب] أشرف خلع لكلّ خلعة منها طرازان من الأماني، ما ركّبا على أحد إلّا ارتفع، ورقيم كتابة القلم الأيمن: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى [الأنبياء: ١٠١]، ورقيم كتابة القلم الأيسر: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ [الأنبياء: ١٠٣].

فسبحان من اختصّهم برحمته، وهو الذي يقبل توبة العبد الجاني إذا تاب إليه ورجع.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له.


(١) القرطبان: ما تقوله العامّة لمن لا غيرة له (اللسان:
قرطب).

<<  <  ج: ص:  >  >>