للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهنّ لولدي تنكز، فقبّل تنكز الأرض.

وخرج هو والسلطان وسار معه إلى الصيد نحو بلاد الصعيد، فبالغ [٣٣٦ أ] السلطان مبالغة زائدة في إكرامه واحترامه، بحيث إنّه جاء إليه وقدّامه من الأمراء ملكتمر الحجازيّ، ويلبغا اليحيويّ، والطنبغا المارديني، وآقسنقر وآخر [ون]، على يد كلّ منهم طير من الجوارح، فقال له: يا أمير، أنا أمير شكارك، وهؤلاء بازداريتك، وهذه طيورك!

فأراد أن ينزل عن فرسه ويقبّل الأرض فمنعه.

وكان لتنكز مملوك قد شغف به يقال له جنغيه، فصار السلطان يستدعيه عند ما تنتظم الحلقة ويناوله السنقر (١) من يده ليرمي به على الصيد، ثم يسير ومعه تنكز حتى يرمي جنغيه الصيد بسنقر السلطان، هذا وتنكز، كلّما فعل السلطان ذلك، نزل وقبّل الأرض واستعفى من فعل هذا مع جنغيه، إلى أن أعفاه.

فلمّا قدم السلطان من صيده، تقدّم إلى النشو بتجهيز مال لمهر ابني تنكز ولتجهيزه للسفر.

فحمل له أربعة عشر ألف دينار عين، منها برسم المهر ألفان، وبرسم تسفير تنكز اثنا (٢) عشر ألفا.

وعقد لابنتيه على ابني تنكز في بيت الأمير قوصون.

فلمّا ولدت ابنة تنكز من السلطان جاءت بابنة.

وعند ما قدم البشير بولادتها، وتنكز عند السلطان، قام على قدميه وقبل الأرض، ثمّ سجد لله شكرا وقال: يا مولانا السلطان، كنت أتمنّى أن تأتي بأنثى، فإنّها لو وضعت ذكرا [ل]- خشيت من كمال السعادة. فإنّ السلطان تصدّق عليّ في هذا المهمّ وجبرني حتى غمرني بصدقاته.

ثمّ أخذ السلطان في تعبئة ما جرت به العادة من الإنعام على تنكز، وضاعف له في الخيل وتعابي القماش وغيرها، وأحضر ذلك بين يديه واختار منه الأحسن وبعث به إليه. فبلغ ما صرف على تنكز من الخزانة وغيرها نحو المائة ألف وخمسين ألف دينار عينا. وكان راتبه كلّ يوم أربعة آلاف درهم.

[[تفويض حكم الشام إليه مطلقا]]

ثمّ سافر بعد ما أقام في هذه النوبة بمصر شهرين، وقد كتب له تقليد بتفويض الحكم في جميع مملكة الشام، وأنّ النوّاب بأسرها تكاتبه بما يكاتب به السلطان، ويكون هو الذي يكاتب السلطان بمهمّاتهم. وأنعم على مغنّية قدمت معه بعشرة آلاف دينار، سوى ثلاث بدلات زركش وثلاثين تعبئة قماش، وأربعة مقانع (٣) وخمسمائة دينار من الحريم.

وكانت مكاتبة السلطان له: أعزّ الله أنصار الجناب- فكتب له: «أعزّ الله أنصار المقرّ الكريم العالي الأميري». وزيد في ألقابه: الأتابكي، الزاهديّ، العابديّ. وفي نعوته: «معزّ الإسلام والمسلمين، سيّد الأمراء في العالمين». ولم يكتب ذلك في الدولة التركيّة لأحد سواه.

فقدم تنكز دمشق وسرّ الناس بقدومه. ثمّ سار منها بالعسكر فمرّ على حماه ونزل عند المؤيّد، وخلع عليه. ثمّ مضى إلى حلب وتوجّه إلى بلاد سيس. فبعث إليه تكفور بتقادم وطلب الهدنة، فهادنه. وكشف ما أنعم [٣٣٦ ب] به السلطان عليه من تلك البلاد وعمّرها وعاد.


(١) السنقر والسنقور كالصقر، وهو أعظم منه.
(٢) في المخطوط: ألفين واثني عشر ألفا.
(٣) المقصود بالمقانع أقنعة كالخمار تغطّي به النسوة وجوههنّ ورءوسهنّ (دوزي). وانظر السلوك ٢/ ٤٣٣ و ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>