للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: وبستانك الفلانيّ، وضيعتك الفلانيّة، وقيمتهما كذا وكذا؟ وما لك بالبصرة، وقيمته مائة ألف دينار؟

قال: بلى.

فجعلت أعدّد عليه ما بقي من عقاراته وضياعه، إلى أن بلغت القيمة سبعمائة ألف دينار. ثمّ قلت:

واصدقني عمّا سلم لك من الجواهر والأثاث، والقماش، والطيب، والجواري، والعبيد، والدوابّ، وقيمة دارك؟ .

[[إحصاء ثروته بعد المصادرة]]

فأخذ يقوّم، إلى أن بلغت ثلاثمائة ألف دينار.

فقلت له: يا هذا، من ببغداد اليوم يحتوي ملكه على ألف ألف دينار، وجاهك عند الناس الجاه الأوّل، وهم يظنّون أنّ الذي بقي لك ضعف هذا، فلم تغتمّ؟ .

فسجد وحمد الله وبكى. ثمّ قال: والله لقد غلبني الفكر حتى نسيت جميع هذا، وإنّه لي.

وقلّ في عيني لإضافته إلى ما أخذ منّي. ولو لم تجئني الساعة لزاد فكري عليّ حتى يبطل عقلي.

ولكنّ الله أنقذني بك، وما عزّاني أحد بأنفع من تعزيتك. وما أكلت منذ ثلاثة أيّام شيئا.

[[النوادر في غفلته]]

(قال) وكنت أنا اجتمعت ببغداد مع أبي علي ابن أبي عبد الله بن الجصّاص فسألته عن الحكايات التي تنسب إلى أبيه مثل قوله خلف الإمام [وقد قرأ: ] غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ. فقال: أي لعمري! - بدل: آمين.

ومثل قوله للخاقانيّ- وهو أبو علي محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان- الوزير: أسهرني البارحة صوت كلاب على بابي.-[فقال الوزير:

لعلّها أجراء؟ فقال: أيّها الوزير، لا تظنّ ذلك].

كلّ كلب مثلي ومثلك.

ومثل قوله: قمت البارحة في الظلمة إلى الخلاء، فما زلت أتلمّظ المقعدة حتى وقعت عليها.

ومثل قوله، وقد وصف مصحف بالقدم:

كسروي.

[[إنكار ابنه لهذه الأقاويل ... ]]

[فقال: أمّا «أي والله» ونحو هذا، فكذب. وما كان فيه بلاهة] تخرجه إلى هذا. وما كان إلّا من أدهى الناس. ولكنّه كان يطلق بحضرة الوزراء قريبا ممّا يحكى لسلامة طبع فيه، ولأنّه كان يحبّ أن يصوّر نفسه عندهم بصورة الأبله ليأمنه الوزراء، لكثرة خلواته بالخلفاء، حتّى يسلم منهم (١).

وأنا أحدّثك بحديث تعلم معه أنه كان في غاية الحزم: حدّثنا أبي قال: إنّ أبا الحسن علي بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات، لمّا ولي بعض وزاراته، قصدني قصدا قبيحا لما كان في نفسه من الحقد عليّ. فأنفذ العمّال إلى ضياعي، وأمر بقبض معاملاتي، وبسط لسانه بشتمي وتنقّصني في مجالسه، وأدام الغضّ منّي، إلى أن دخلت عليه ووسّلت بيني وبينه جماعة، وبذلت له أشياء توجب صلاح ما بيننا. فأقام على قصدي بالسوء، وأنا أتحمّل ذلك كلّه، طامعا في رجوعه لي. فدخلت يوما داره فسمعت حاجبه يقول وقد [٣٨٩ أ] ولّيت عنه: أيّ بيت مال يمشي على وجه الأرض ليس لها من يأخذها.


(١) انظر أخبار الحمقى لابن الجوزي، ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>