وفي رواية: مشى أبي مع بغلة الشافعيّ، فبعث إليه يحيى بن معين يقول: يا أبا عبد الله، أما رضيت إلّا أن تمشي مع بغلته؟
فقال: يا أبا زكريّا، لو مشيت من الجانب الآخر، كان أنفع لك!
وعن أبي عبد الله محمد بن ماجة القزويني قال: جاء يحيى بن معين يوما إلى أحمد بن حنبل، فبينا هو عنده [١٥٨ ب] إذ مرّ الشافعيّ على بغلته، فوثب أحمد فسلّم عليه وتبعه. فأبطأ ويحيى جالس. فلمّا جاء قال يحيى: يا أبا عبد الله، كم هذا؟
فقال أحمد: دع هذا عنك! إن أردت الفقه فالزم ذنب البغلة!
[أصحاب الحديث مدينون للشافعيّ]
وعن أبي إسماعيل الترمذيّ: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: ما تكلّم أحد بالرأي- وذكر الثوريّ، والأوزاعيّ، ومالكا، وأبا حنيفة- إلّا والشافعيّ أكثر اتّباعا وأقلّ خطأ منه.
وعن محمد بن علي الصانع: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إدريس الشافعيّ في الناس بمنزلة العافية للخلق، والشمس للدنيا. جزاه الله عن الإسلام وعن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم خيرا.
وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعيّ- وذكر محمد بن إدريس فقال: هو ابن عمّي، فعظّمه وذكر من قدره وجلالته في العلم.
وقال أبو ثور: سمعت الشافعيّ، وكان من معادن الفقه وجهابذة الألفاظ ونقّاد المعاني، يقول: حكم المعاني خلاف حكم الألفاظ، لأنّ المعاني مبسوطة إلى غير غاية، وممدودة إلى غير نهاية. وأسماء المعاني مقصورة معدودة، ومحصّلة محدودة. وجميع أصناف الدلالات على المعاني، لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء، لا تزيد ولا تنقص: أوّلها اللفظ، ثمّ الإشارة، ثمّ العقد، ثمّ الخطّ الذي يسمّى النصبة، والنصبة في الحال الدالّة التي تقوم مقام تلك الأصناف ولا تقصّر عن تلك الدلالات. ولكلّ واحد من هذه الخمسة صورة بائنة من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها، وهي التي تكشف لك عن أعيان المعاني في الجملة، وعن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأفرادها، وعن خاصّها وعامّها، وعن طباعها في السارّ والضارّ، وعمّا يكون لهوا بهرجا، وساقطا مدحرجا.
وقال الزعفرانيّ: كان أصحاب الحديث رقودا حتّى جاء الشافعيّ فأيقظهم فتيقّظوا.
وعن عبيد بن محمد بن خلف البزّاز: سئل أبو ثور: أيّما أفقه: الشافعيّ أم محمد بن الحسن؟
فقال أبو ثور: الشافعيّ أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحمّاد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود.
وعن الربيع: كان أصحاب الحديث لا يعرفون مذاهب الحديث وتفسيره حتّى جاء الشافعيّ.
وقال هلال بن العلاء الشافعيّ: أصحاب الحديث عيال عليه، فتح لهم الأقفال.
وفي رواية: منّ الله تعالى على الناس [١٥٩ أ] بأربعة في زمانهم: الشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد، ويحيى بن معين. فأمّا الشافعيّ، فتفقّه بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وأمّا أبو عبيد ففسّر لهم غريب الحديث، ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطإ.
وأمّا يحيى بن معين، فنفى الكذب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبيّن الصادق من الكاذب.
وأمّا أحمد بن حنبل فجعله الله للناس إماما في