للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القلعة والمعاونون قليل بين يديه حتّى دخل منزله.

وكان لمّا دخل إلى دار العدل من القلعة جلس على الدرجة الثالثة من درج تخت الملك، وقد خلع عليه ثوب أخضر وطرحة (١) فوق عمامة لونها أسود برقمين (١). فخرج السلطان من باب السرّ فقام له الخليفة والقضاة وغيرهم وجلس على الدرجة السفلى دون الخليفة. فقام الخليفة بعد جلوسه وافتتح خطبته بقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ

[النحل: ٩٠ - ٩١].

ثمّ أوصى السلطان بالرفق بالرعيّة، وإقامة الحقّ، وتعظيم شعائر الإسلام، ونصرة الدين. ثمّ قال:

«فوّضت إليك جميع أحكام المسلمين وقلّدتك ما تقلّدته من أمور الدين». ثمّ تلا قول الله سبحانه:

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [الفتح: ١٠]، وجلس.

فقدّمت له خلعة سوداء فأفاضها على السلطان بيده، وقلّده سيفا عربيّا.

وأخذ علاء الدين عليّ بن يحيى بن فضل الله كاتب السرّ، يقرأ عهد الخليفة للسلطان حتّى فرغ منه. ثم قدّم للخليفة فكتب عليه بالإمضاء وكتبت بعده القضاة بالشهادة. ثمّ قدّم السماط وانقضت الخدمة.

وفي خلافته قدم رسول متملّك الهند بهديّة وكتاب يتضمّن السلامة والتودّد، ويطلب أن يولّيه الخليفة ويكتب له تقليدا بجميع بلاده لتصبح سلطنة، وأن يكون التقليد على يد رجل من أهل

العلم [٨٠ أ] والدين ليعلّمهم من أمور الديانة ما لا يعرفونه. فرسم السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون له بكتابة ما أشار به. فكتب عنه تقليد خليفيّ وتوجّه به الركن شيخ خانكاه سرياقوس في سنة أربع وأربعين وسبعمائة.

ولم يزل في الخلافة حتى توفّي يوم [ ... ] ذي الحجّة سنة تسع وأربعين وسبعمائة في الطاعون (٢). وبويع بعده أخوه أبو الفتح أبو بكر (٣) المعتضد.

[٤٤٢ - ابن كساء [٥٦٧ - ٦٣٥]]

أحمد بن سليمان بن حميد بن إبراهيم بن مهلهل بن أحمد بن علي بن إبراهيم، الأديب أبو العبّاس، القرشيّ، المخزوميّ، البلبيسيّ، الشافعيّ، المعروف بابن كساء.

مولده في سنة سبع وستّين وخمسمائة ببلبيس.

ومات بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وستّمائة.

وكان قد طاف البلاد ومدح الملوك ودخل بغداد وخراسان، واجتمع بالإمام فخر الدين، ابن خطيب الريّ، الرازيّ، بخوارزم. وأقام في خدمة الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ بالموصل ومدحه.

وبلغ عليّ الأشرفيّ أنّه هجاه فأحضره وقال له:

«بلغني أنّك هجوتني، وها أنا أهجوك لتعلم أيّنا أهجى، وأيّ الهجوين أوجع». ثمّ مدّه وما زال يضربه بالدبابيس حتّى أشرف على الموت. ورفع على باب إلى السجن فبقي فيه مدّة ثمّ أطلقه.


(١) الهامش السابق.
(٢) أرّخ ابن قاضي شهبة وفاته بسنة ٧٥٣.
(٣) أبو بكر اسمه، والكنية أبو الفتح، توفي هذا الخليفة المصري سنة ٧٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>