للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله يعلم أنّي لو خشيتهم ... وأوحش القلب من خوف لهم فزعا

لم يقتلوه ولم أسلم أخيّ لهم ... حتّى نموت جميعا أو نعيش معا

وكان قد طلب أشدّ الطلب، وأقام خمس سنين لم تقرّه أرض، مرّة بفارس، ومرّة بكرمان، ومرّة بالجبل، ومرّة بالحجاز، ومرّة باليمن، ومرّة بالشام.

[[طلب المنصور لإبراهيم بعد مقتل أخيه]]

ثمّ قدم الموصل وقدمها المنصور في طلبه.

وحكى قال: اضطرّني الطلب بالموصل حتى جلست على مائدة المنصور. ثمّ خرجت وقد كفّ الطلب بالموصل.

وكان قوم من أهل العسكر يتشيّعون فكتبوا إلى إبراهيم في القدوم عليهم ليثبوا بالمنصور. فقدم عسكر المنصور وهو ببغداد، وقد خطّها. وكانت له مرآة ينظر فيها فيرى عدوّه من صديقه. فنظر فيها فقال: قد رأيت إبراهيم في عسكري، وما في الأرض أعدى لي منه- ووضع الرصد في كلّ مكان، فنشب إبراهيم مكانه. فقال له صاحبه سفيان بن حيّان [بن موسى] (١): قد نزل بنا ما ترى، ولا بدّ من المخاطرة.

قال: فأنت وذاك.

فأقبل سفيان إلى الربيع [بن يونس] (٢) فسأله الإذن على المنصور فأدخله إليه. فلمّا رآه شتمه.

فقال: يا أمير المؤمنين، أنا أهل لما تقول، غير أنّي أتيتك تائبا، ولك عندي كلّ ما تحبّ، وأنا آتيك بإبراهيم بن عبد الله. فقد بلوتهم فلم أجد [٤٣ ب] فيهم خيرا. فاكتب لي جوازا ولغلام معي،

واحملني على البريد ووجّه معي جندا.

فكتب له جوازا ودفع إليه جندا وقال: هذه ألف دينار.

فأقبل والجند معه حتّى دخل البيت، وعلى إبراهيم جبّة صوف كهيئة الغلمان، فصاح به، فوثب إبراهيم، وجعل سفيان يأمره وينهاه. وسار على البريد حتّى قدم المدائن، فركبوا سفينة إلى البصرة. فجعل يأتي بالجند الدار لها بابان فيقعد بعضهم على أحد بابيها ويقول: لا تبرحوا حتّى آتيكم فيخرج من بابها الآخر ويتركهم، حتّى فرّق الجند عن نفسه وبقي وحده.

وكان على البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة، فطلب سفيان بن حيّان فأعجزه.

وقدم إبراهيم الأهواز فاختفى، والطلب عليه.

فبينما هو ذات يوم على حمار مع الحسن بن حبيب إذ لحقته أوابد الخيل، فنزل عن حماره كأنّه يبول، فبال دما.

[[قيام إبراهيم بالبصرة]]

ولحق بالبصرة في سنة ثلاث وأربعين، وقيل:

في سنة خمس وأربعين. ودعا الناس إلى بيعة أخيه محمد، فأجابه جماعة كثيرة من الفقهاء وأهل العلم، حتى أحصى ديوانه أربعة آلاف. وشهر أمره فمالأه سفيان بن معاوية أمير البصرة وكان المنصور بظاهر الكوفة كما تقدّم، وهو يبعث بالمدد إلى البصرة. فظهر إبراهيم ليلة الاثنين أوّل رمضان سنة خمس وأربعين في عشرين رجلا- وقيل: في أربعة عشر رجلا- فمرّوا وهم يكبّرون، وأخذوا دوابّ الجند في طريقهم إلى المسجد فصلّى إبراهيم بالناس الصبح، وقصد دار الإمارة فحصر سفيان حتّى أخذه بالأمان، ودخلها ففرشوا


(١) الزيادة من الطبريّ ٧/ ٦٢٤.
(٢) الربيع بن يونس، مولى المنصور.

<<  <  ج: ص:  >  >>