للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بيسريّ من يومئذ يكتب «بيسريّ الأشرفيّ»، بعد ما كان يكتب «بيسريّ الشمسيّ».

[تنكّر السلطان لاجين عليه]:

ولم يزل على إمرته إلى أن مات الأشرف، وتسلطن من بعده أخوه الملك الناصر محمد، ثم خلع بالعادل زين الدين كتبغا. فلمّا قام عليه (١) المنصور لاجين وتسلطن، فبض عليه (٢) من أجل أنّ لاجين عزم على أن يعهد لمملوكه ونائبه الأمير منكوتمر بالسلطنة، ويقرن اسمه باسمه في السكّة والخطبة، وحدّث بيسري في ذلك، فأنكر عليه غاية الإنكار وقال: إنّ منكوتمر لا يصلح للجنديّة وقد أمّرته وقدّمته فصبر الناس لك على هذا، وجعلته نائب السلطنة ومشّيت (٣) الأمراء والجيوش في خدمته فأجابوا لذلك طاعة لك وطلبا لرضاك، مع ما تقدّم من أيمانك عند السلطنة (٤) أنّك لا تقدّم مماليكك على الأمراء ولا تمكّنهم منهم، فلم يقنعك ما خوّلته فيه حتى تريد أن تجعله سلطانا مثلك! هذا ما لا يوافقك الناس عليه أبدا.

وحذّره عاقبة ذلك، فأمسك عنه لاجين حتى قام، وأعلم منكوتمر بما كان منه. فأسرّها في نفسه، وأخذ في التدبير عليه. وتحيّل على بهاء الدين أرسلان أستادار بيسري حتى مال معه ووافقه على ما يأتي ذكره. وحسّن للسلطان أن يندب بيسريّ لكشف جسور الجيزة فتقدّم إلى بيسري بذلك، فخرج إليها بسائر مماليكه وأتباعه. وصار يحضر الخدمة بالقلعة في يومي الاثنين والخميس، ويعود إلى مخيّمه بالجيزة حتى أتقن

عمل الجسور. فاستأذن السلطان في عمل ضيافة يحضرها بالجيزة فأجابه إلى ذلك، فشرع في الاهتمام بعمل المهمّ. ووجد منكوتمر السبيل إلى كيده وحمل أرسلان أستادار بيسريّ على أن وشى إلى السلطان بأنّ بيسريّ على عزم اغتيال السلطان إذا حضر إليه.

[سعاية منكوتمر ضدّه]:

واتّفق مع هذا أنّ بيسري بعث يطلب من منكوتمر الدهليز السلطانيّ لينصبه للسلطان حتى يجلس فيه يوم المهمّ. فسلّمه لمماليكه بغير علم السلطان. فعند ما مرّ الدهليز من تحت القلعة على الجمال مع مماليك بيسري، رآه السلطان فأنكره:

وأرسل إلى منكوتمر يسأله عنه، فأنكر أن يكون عنده علم ذلك، ولكنّ مماليك بيسريّ أخذوه من الفراشخاناه السلطانيّة من غير استئذان- وأخذ يغري السلطان بأنّ أخذ الدهليز يحقّق ما نقل عنه.

فأمر السلطان بإعادة الدهليز فأعيد، وقوي في نفسه صدق ما رمي به بيسريّ.

[[وفاته في الاعتقال]]

فبلغ ذلك بيسري فلم يأخذ بالحزم، وحضر على عادته إلى الخدمة في يوم الاثنين سادس ربيع الآخر. فتلقّاه السلطان وقام له على العادة وأجلسه بجانبه وبالغ في إكرامه. وقدّم السماط فاعتذر عن الأكل بأنّه صائم. فرفع له السلطان من الطعام ما يكون لفطوره وأخذ يحادثه سرّا ليشغله عن القيام حتى رفع السماط وخرج الأمراء. فعند ما قام بيسري وانتهى إلى أثناء الإيوان، استدعاه. فلمّا جاء قام له وأجلسه وحادثه طويلا حتى انصرف الجميع. وتركه فقام ومشى. فاستدعاه ثانيا وحادثه طويلا وناوله شيئا. فقبّل عند ذلك بيسريّ يد السلطان وقام، وقد خلا المجلس والدهاليز من


(١) على كتبغا.
(٢) على بيسري.
(٣) كلمة غير مفهومة، والتوضيح من السلوك ١/ ٨٣٣.
(٤) أي: عند تسلطنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>