للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كتابه إلى الملك العادل بالشفاعة فيه فقبلها وأكرمه إلى أن مات.

وعرضت عليه الوزارة بعد موت العادل غير مرّة فلم يرضها. وتوفّر على الرسيلة (١) والاقتداء برأيه. ونفذ به في الرسالة إلى الديوان العزيز ببغداد عدّة مرار. فقدمها في أيّام الخليفة الناصر والمستنصر. وكانا يحترمانه لذاته ولأبيه. ودخلها مرّة في سلطنة الملك الكامل محمد ابن العادل، فأظهر من الحشمة والصدقات والصلات أمرا عظيما، وأجازه الخليفة بعشرة آلاف دينار، وأنفقها كلّها هناك.

[[نكبته]]

وفي خامس جمادى الأولى سنة ستّ وعشرين وستّمائة أوقعت الحوطة على داره، وحملت خزائن كتبه جميعها إلى قلعة الجبل في سادس عشرينه. فكانت عدّتها ثمانية وستّين ألف مجلّدة، منها كتاب «الأيك والغصون» لأبي العلاء أحمد بن سليمان المعرّي، في ستّين مجلّدا.

وحمل من داره في ثالث جمادى الآخرة خشب خزائن الكتب مفصّلة في تسعة وأربعين حملا، وكانت جمال الكتب تسعة وخمسين جملا، حملت على ثلاث دفعات (٢).

ثم ردّ إليه من الكتب في ثاني عشرين شهر رجب أحد عشر ألفا وثمانمائة وثمانية كتب، مع الخزائن.

وكانت وفاته بالقاهرة في يوم سادس جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستّمائة. ودفن بالقرافة عند أبيه.

وكان عالما صالحا نزها عفيفا [١٠٧ أ] نبيلا،

مجموع فضائل، إلّا أنّ ابن سعيد في كتاب المغرب في أخبار المغرب ذمّه فقال: «كان من عجائب الدنيا، فإنّه قرأ وروى من الحديث ما لم يظفر به كثير، واجتمع عنده من كتب أبيه وما استفاده من الكتب ما هو مشهور، ووفّر الله له من المال ما ورثه عن أبيه ونمّاه بتجارته وتقتيره ما لم يكن لأحد في بلده مثله. ورزقه الله من جاه السلطان، واحترام أهل البلد، والمنصب المتوارث، ما كان معه في منصب الوزارة والرسالة إلى الخلافة. ولم يحرم مع ذلك من حسن النظم والنثر، وتصرّف في فنون الأدب.

ومع هذا كلّه فإنّه كان من أبخل الناس بأن يسمع عليه حديث، أو يعير كتابا، أو يسعى لأحد في حال، أو ينعم على بشر بدرهم، أو يأكل أحد في بيته كسرة خبز، وقد نقلت عنه ممّن كان يصحبه في ذلك العجائب».

وهذا تحامل من ابن سعيد!

ومن شعره قوله [الكامل]:

أستودع الله الذين فقدتهم ... فقد العيون الساهرات كراها

وحمدت ربّي حيث كان لقاؤهم ... يوما على الحال التي نهواها

وقوله [السريع]:

من شرف العفّة لا كان لي ... في غيرها قسم ولا رزق

أنّك إن رحت لها مؤثرا ... أحبّك الخالق والخلق

وقوله [السريع]:

قد وفد الصبح فقم نصطبح ... من الذي لا صبر لي عنه


(١) الرسيلة: لعلّها تعني السفارة.
(٢) السلوك ١/ ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>