يحمد منك إلّا ما يحمد من الحمار: ضرسه وحافره.
فلم يزل في السجن حتى كتب عبد الملك في إطلاقه، وأعجبه ما قال: وقال: ذكر أخابث خلق الله وأمر بشتمهم- وكانوا قوما خالفوا على عبد الملك.
وكان ثابت بن عبد الله كأنّه من رجال العرب، وقال سليمان بن عبد الملك له، وهو خليفة: من أفصح الناس؟
قال: أنا.
قال: ثمّ من؟
قال: أنا.
قال: ثمّ من؟
قال: أنا.
قال: ثمّ من؟
قال: أنت.
فرضي سليمان بذلك منه بعد ثلاث- وكان سليمان فصيحا.
وقال مسوّر بن عبد [٣٤٥ ب] الملك: كنّا نأتي مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما ينزعنا إليه إلّا استماعنا لكلام ثابت بن عبد الله بن الزبير، والعجب بألفاظه.
وتوفّي ثابت بسرع من طريق الشام منصرفا من عند سليمان بن عبد الملك إلى المدينة، وهو ابن سبع أو ثمان [٢٩٥ ب] وسبعين سنة. وقيل: توفّي بمعان.
وعتب الوليد بن عبد الملك بن مروان على أهل المدينة في شيء. ثمّ حجّ، فاحتاج أهل المدينة إلى من يعذرهم عنده. فكلّموا في ذلك ثابتا، فكلّمه فقال قولا عجيبا، فقبل منه وعفا عنهم، فقال مساحق بن عبد الله بن مخرمة العامريّ في ذلك يمدح ثابتا [الطويل]:
لسانك خير كلّه من قبيلة ... ومن كلّ ما يأتي الفتى أنت فاعله
ورثت أبا بكر أباك بيانه ... وسيرته في ثابت وشمائله
فأنت امرؤ يرجى لخير، وإنّما ... لكلّ امرى ما أورثته أوائله
١٠٤٠ - ثابت بن نعيم الجذاميّ [- ١٢٧] (١)
[٣٤٦ أ] ثابت بن نعيم بن يزيد بن روح بن سلامة [ ... ] الجذاميّ، أبو [ ... ].
بعثه الخليفة هشام بن عبد الملك إلى إفريقيّة بعد قتل كلثوم بن عياض [القشيريّ]، فأفسد الجند. وقدم على هشام فحبسه، إلى أن قدم عليه مروان بن محمّد في بعض وفاداته، فشفع فيه وأخذه معه إلى أرمينية. فلم يزل عنده حتى سار منها يظهر الطلب بدم الوليد بن يزيد بن عبد الملك. فسار ثابت وأمر من مع مروان من جند الشام بمفارقته، فأجابوه وانضمّوا إليه، فصاروا ضعف من بقي مع مروان، وباتوا يتحارسون. وأصبحوا مصطفّين للقتال.
فلم يزل بهم مروان حتى انقادوا له، وأخذ ثابت [ا] وأولاده فحبسهم. ثمّ أفلت منه إلى فلسطين.
فلمّا بويع لمروان بدمشق وعاد إلى حرّان، دعا ثابت أهل حمص إلى مخالفة مروان وراسلهم في ذلك. فأجابوه، وبعثوا إلى من بتدمر من كلب، وأتاهم نحو الألف. فأدركهم مروان وقاتلهم وأخذ المدينة.
(١) الطبريّ تحت سنة ١٢٦؛ الكندي ٧٣ وما بعدها.