للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأبو سلمة الخلّال يؤسّس له الأمر ويثبّت دعوته.

وهكذا المهديّ: فإنّه خرج من سلميّة بالشام، وقد أخذت عليه الطرق ونصبت له المراصد، وأبو عبد الله الشيعيّ قد مهّد له الأمر. وكلاهما تمّ له الأمر وقتل القائم بدعوته.

[[شعر الشعراء فيه]]

وأوّل من مدح المهديّ من شعراء إفريقيّة سعدون الورجيلي، وكان من شعراء بني الأغلب، فأنشده [الكامل]:

قف بالمطيّ على مرابع دور ... لبست معالمهنّ ثوب دثور

لعبت بها حتى محت آثارها ... ريحان: ريح صبا وريح دبور

فلمّا انتهى إلى قوله:

وسفيهة هبّت تصدّ عن النوى ... ويد النوى ملكت عنان مسيري

خافت عليّ من الخطوب لأنّني ... من قبل غبت فأبت بعد دهور

ثم اجتمعنا بعد ذاك فيا لها ... مأسورة جمعت على مأسور!

فلمّا قال هذا استعبر المهديّ وتلقّى عبرته بكمّه، فسكت سعدون فأومأ إليه: أن قل، فمرّ فيها حتى قال:

أعن ابن فاطمة تصدّين امرأ ... بنت النبيّ وعترة التطهير؟ !

كفّي عن التثبيط إنّي زائر ... من أهل بيت الوحي خير مزور

هذا أمير المؤمنين تضعضعت ... لقدومه أركان كلّ أمير

هذا الإمام الفاطميّ، ومن به ... أمنت مغاربها من المحذور

والشرق ليس لشامه وعراقه ... من مهرب من جيشه المنصور [٢٢٣ ب]

حتّى يفوز من الخلافة بالمنى ... ويفاز منه بعدله المنشور

فقال المهدي: ما شاء الله!

ومرّ فيها إلى أن ذكر أبا عبد الله الشيعيّ فقال:

يا من تخيّر من خيار دعاته ... أرجاهم للعسر والميسور

حتى استمال إليه كلّ قبيلة ... ورمي إليه قياد كلّ عثور

أشبهت موسى، وهو حيّتك التي ... تلقى، فتلقف إفك كلّ سحور

فنظر المهدي إلى أبي عبد الله وتبسّم. فقبّل أبو عبد الله الأرض وقال للورجيلي: «أنا دون ذلك ببعد ما بين السماء والتراب». وأمر المهدي للشاعر بصلة جزيلة، وكانت تجري عليه لكلّ عام، ووصله أبو عبد الله أيضا.

ولم يمت المهدي عبيد الله حتى وصلت دعاته إلى بلاد المشرق، وبعث إليه نصر بن أحمد أمير خراسان (١*) يقول: أنا في خمسين ألف مملوك يطيعونني، وليس على المهديّ لهم كلفة ولا مؤونة، فإن أمرني بالمسير سرت إليه ووقفت بسيفي ومنطقتي بين يديه وامتثلت أمره، وإن أمرني أن أدخل أهل الأرض في طاعته.

وكتب إليه أيضا مرداويج الجبلي بمثل ذلك، وكتب إليه يوسف بن أبي الساج [ ... ]، وأحمد بن صعلوك (٢*) [ ... ] بمثل ذلك، وأنفذوا


(١*) نصر بن أحمد بن إسماعيل: ولي خراسان سنة ٣٠١ للمقتدر العبّاسيّ وبقي عليها حتى وفاته سنة ٣٣٠.
(٢*) مرداويج الجبلي بن زياد بن وردان شاه: قائد ديلميّ استقلّ بأذربيدجان وسجستان في سنة ٣٢٠، وقتله خدمه الأتراك سنة ٣٢٣ (انظر: العيون والحدائق، ٥٣٨).-

<<  <  ج: ص:  >  >>