للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتسعين إلى بغداد يريد خراسان لحرب رافع بن الليث، وكان مريضا. واستخلف على الرقّة ابنه القاسم وضمّ إليه خزيمة بن خازم. وسار من بغداد واستخلف عليها ابنه الأمين، وأمر المأمون بالمقام بها. فقال الفضل بن سهل للمأمون: لست تدري ما يحدث بالرشيد، وخراسان في ولايتك، ومحمد الأمين المقدّم عليك. وإنّ أحسن ما يصنع بك أن يخلعك، وهو ابن زبيدة، وأخواله بنو هاشم، وزبيدة وأموالها. فاطلب إلى أمير المؤمنين أن [١١٥ أ] تسير معه.

فطلب إليه ذلك فأجابه بعد امتناع. فلمّا سار الرشيد سايره الصبّاح الطبريّ، فقال له: «يا صباح، لا أظنّك تراني أبدا». فدعا له، فقال: ما أظنّك تدري ما أجد.

قال: لا والله.

فعدل عن الطريق فاستظلّ بشجرة وأمر خواصّه بالبعد عنه، فتنحّوا. ثم كشف عن بطنه فإذا عليه عصابة حرير، فقال: هذه علّة أكتمها الناس كلّهم. ولكلّ واحد من ولدي عليّ رقيب:

فمسرور رقيب المأمون، وجبريل بن بختيشوع رقيب الأمين، وما منهم أحد إلّا وهو يحصي أنفاسي ويستطيل دهري.

ثم ركب حتّى بلغ جرجان في صفر سنة ثلاث وتسعين، وقد اشتدّت علّته. فسيّر المأمون إلى مرو ومعه القوّاد، وهم: عبد الله بن مالك، ويحيى بن معاذ، وأسد بن يزيد، والعبّاس بن جعفر، ومحمّد بن الأشعث، والسنديّ، ويحيى بن سعيد الجرشيّ، ونعيم بن خازم.

وسار الرشيد إلى طوس، واشتدّ به الوجع.

فقدم المأمون مرو لعشر بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة، ومرو يومئذ دار الإمارة ومستقرّ ولاة خراسان منذ فتحها المسلمون. فأقام المأمون بها إلى أن انتقل عن الإمارة إلى الخلافة.

وتوفّي الرشيد بطوس على أثر قدومه بثلاثة عشر يوما لثلاث خلون من جمادى الآخرة [سنة ١٩٣] فبويع بعده بالخلافة الأمين محمد ابن الرشيد. فلم يلبث أن وقع الاختلاف بينه وبين أخيه المأمون من سنته.

[[الخلاف بين الأخوين]]

وسبب ذلك أنّ الأمين حسد المأمون على ما كان من إقرار الرشيد له بجميع ما معه من الأموال وغيرها، وأخذه اليبعة له على جميع من في عسكره من القوّاد وغيرهم. ثمّ بلغه شدّة مرض الرشيد فبعث بكر بن المعتمر بكتب قد أخفاها، وأمره أن لا يظهر الرشيد ولا غيره عليها حتى يموت، فيدفع إلى كلّ إنسان كتابه.

فلمّا مات الرشيد أخرج الكتب، وهي:

- كتاب إلى أخيه المأمون يأمره بترك الجزع وأخذ البيعة لهما ولأخيهما المؤتمن على الناس- وكان المأمون قد مضى إلى مرو.

- وكتاب إلى أخيه صالح ابن الرشيد يأمره بتسيير العسكر بما فيه وأن يتصرّف هو ومن معه برأي الفضل بن الربيع.

- وكتاب إلى الفضل [بن الربيع] يأمره بالحفظ والاحتياط على الحرم والأموال وغير ذلك.

وأقرّ كلّ من إليه عمل على عمله كصاحب الشرطة والحرس والحجابة.

فلمّا قرءوا الكتب تشاوروا هم والقوّاد في اللحاق بالأمين أو المأمون. فقال الفضل بن الربيع: لا أدع ملكا حاضرا لآخر ما أدري ما يكون من أمره. وأمر الناس بالرحيل إلى بغداد فرحلوا [١١٥ ب] وتركوا العهود التي كانت أخذت عليهم للمأمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>