للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان سليمان بن كثير القائم بأمر خراسان.

فلمّا مات أسد (١) بخراسان ولّى خالد أمرها جعفر بن حنظلة البهراني. ثم عزل خالد عن العراق بيوسف بن عمر [الثقفيّ]. فولّى هشام خراسان نصر بن سيّار وأمره بمكاتبة يوسف.

وقدم على الإمام محمد بن عليّ سليمان بن كثير ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب في رجال آخرين، ومعهم أموال وكسى فأوصلوا ذلك إليه.

فقال لهم: ما أظنّكم تلقو [ن] ني بعد عامي هذا.

فإن حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم بن محمد، وأنا أوصيكم به خيرا، فقد أوصيته بكم.

ومات محمد بن علي سنة أربع وعشرين ومائة، وترك أولادا، منهم عبد الله أبو العباس ابن الحارثيّة، وعبد الله أبو جعفر، وإبراهيم الإمام فيآخرين. فصار الأمر إلى إبراهيم الإمام، ابن محمد ذي الثفنات، ابن عليّ السجّاد.

[[إبراهيم الإمام وابتداء أمر أبي مسلم]]

وكان أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم من أهل ضياع بني معقل العجليّين بأصبهان أو غيرها من الجبل، يسمّى إبراهيم بن جيكان، فسمّاه الإمام إبراهيم عبد الرحمن وكنّاه أبا مسلم. وكان إدريس وعيسى ابنا معقل محبوسين بالكوفة مع قوم حبسهم [٦٧ أ] يوسف بن عمر من أهل الجبل بسبب الخراج، فكان أبو مسلم يخدمهما ويقضي حوائجهما. وهو في ذلك مع أبي موسى السرّاج صاحبه يخرز الأعنّة ويعمل السروج، وله بضاعة في الأدم. وكان عاصم بن يونس العجليّ محبوسا بسبب فساد، فكان يخدمه أيضا، وكان شيعيّا.

فقدم سليمان بن كثير ولاهز وقحطبة الكوفة يريدون الحجّ، فدخلوا على عاصم مسلّمين فوافوا

أبا مسلم عنده، فأعجبهم عقله وظرفه وأدبه وشدّة نفسه وذهابه بها. ومال إليهم فعرف أمرهم فقال:

أنا أصاحبكم وأكون معكم. فسألوا أبا موسى السرّاج أن يعينهم به- وكان من كبار الشيعة- ففعل. وكتب معه كتابا إلى إبراهيم الإمام، وقد كان علم أنّ إبراهيم يريد الحجّ في سنته، وأنّ القوم واعدوه الالتقاء بمكّة فأعطوه عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم، وأوصلوا إليه كسى حملوها له. ورأى إبراهيم الإمام فعرفه وأثبته لأنّه كان يراه أيّام اختلافه إلى أبيه في محبسه. وتأمّل أمره وأخلاقه فأعجبه منطقه ورأيه وجزالته فقال:

«هذا عضلة (١*) من العضل! » ومضى به فكان يخدمه.

ثم إنّ هؤلاء النقباء قدموا على إبراهيم [مرّة أخرى] يطلبون رجلا يتوجّه معهم إلى خراسان.

فعرض على سليمان بن كثير أن يكون ذلك الرجل فأبى، وعرض مثل ذلك على قحطبة فأبى. فأراد توجيه رجل من أهل بيته فكره ذلك. وذكرا أبا مسلم فأطرياه ووصفا عقله وعلمه بما يأتي ويذر.

فاستخار الله ووجّهه إلى خراسان.

فنزل على سليمان بن كثير، فكان- والشيعة جميعا- له مكرمين مبجّلين سامعين مطيعين.

وجعل أمره ينمي (٢*) حتى كان منه ما كان.

ويقال: كان أبو مسلم لبعض أهل هراة أو بوشنج (٣*). فقدم مولاه على الإمام وقدم به معه، فأعجبه عقله فابتاعه منه بألفين وعشرين درهما وأعتقه. ومكث عنده سنين، ثم وجّهه إلى خراسان.


(١) مات سنة ١٢٠ (الكامل ٤/ ٢٣٤).
(١*) العضلة: الداهية المحنّك المجرّب.
(٢*) نما ونمى بمعنى.
(٣*) هذا وجه آخر في أصله. وانظر الكامل ٤/ ٢٥٤.
وبوشنج: بين هراة ونيسابور على عشرة فراسخ من هراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>