للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدت منه هنات تقتضي الاستخفاف بما يجب تعظيمه. فثار عليه جماعة وأظهروا محضرا مؤرّخا في سنة ستّ وثمانين وستّمائة، يتضمّن عظائم من انتقاص الشريعة، والاستخفاف بالقرآن، وتحليل المحرّمات، واقتراح (١) الشرائع. وأثبتوه على قاضي القضاة زين الدين بن عليّ بن مخلوف المالكيّ.

وشهد عليه أيضا بأنّه قال: لو كان لصاحب مقامات الحريريّ حظّ لتليت المقامات في المحاريب. وأنّه كان يفطر في نهار شهر رمضان من غير عذر، وينكر على من يصوم، وأنّه يضع الربعة (٢) المكتتب فيها القرآن الكريم تحت رجليه ويقف فوقها ويتناول حاجته، وأنّه إذا أنكر عليه ذلك قال: أنتم حمير.

[قيام القاضي المالكيّ عليه]:

فسجن أيّاما، ثمّ أتى به إلى تحت شبّاك دار الحديث الكامليّة بين القصرين، وقد اجتمع القضاة بالشبّاك، فأثبت القاضي المالكيّ أنّه زنديق وحكمبقتله. فأخذ يصيح ويقول: يا مسلمين، أنا كنت كافرا وأسلمت! أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمّدا رسول الله.

فلم يقبل القاضي المالكيّ إسلامه وقال: أنا حكمت بقتلك.

فقال: أتقتلون رجلا يقول: ربي الله!

فقال المالكي: يا سيّاف، اضرب عنقه!

فضربت عنقه في يوم الاثنين رابع عشرين ربيع الأوّل سنة إحدى وسبعمائة ثلاث ضربات. وكان في سنّ الكهولة.

وقال الصلاح الصفديّ: أخبرني جماعة بالقاهرة عن ابن المحفّدار (٣) أنّه قال له يوما: كأنّي بك وقد ضربت رقبتك بين القصرين، وقد بقي رأسك معلّقا بجلده.

فكان الأمر كما قال.

وقال فيه ابن دانيال [السريع]:

لا سلم البقّيّ في فعله ... أن زاغ تضليلا عن الحق

لو هذّب الناموس أخلاقه ... ما كان منسوبا إلى البقّ

وحكى الفتح محمد ابن سيّد الناس أنّه كان عند قاضي القضاة تقيّ الدين محمد بن دقيق العيد، فدخل ابن البقّيّ عليه، وسأله مسألة فلم يجبه عنها. فولّى البقّي وهو ينشد [الكامل]:

وقف الهوى [بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم] (٤)

وكرّر ذلك-[يعني أنّ القاضي انقطع]. فقال ابن دقيق العيد: عقبى هذا الرجل إلى التلف- فقتل بعد أحد وعشرين يوما.

وكان فيه جرأة وإقدام، فكان إذا هدّد بقاضي القضاة زين الدين عليّ بن مخلوف المالكيّ يسبّه ويقع فيه، [٩ أ] فيبلغه الناس عنه ما يقوله فيه، إلى أن رفع عليه أنّه كفر فطلبه طلبا عنيفا. وادّعى عليه شخص بما نسب إليه فأنكر ذلك فأقيمت البيّنة عليه وأخذ للسجن، وسجّل عليه في محضر، وحمل إلى قاضي القضاة تقيّ الدين ابن دقيق العيد لينفّذ حكم المالكيّ فقال: لا أحكم بقتل رجل [١٣٧ ب] يشهد بأن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول


(١) هكذا في المخطوط، ولعلّ معنى اقترح هنا: ابتدع كما في اللسان.
(٢) الربعة صندوق يحفظ فيه المصحف.
(٣) هو المكلّف بفراش السلطان (دوزي في محفّة).
(٤) الزيادة من السلوك ١/ ٩٢٥. والبيت لأبي الشيص الخزاعي عمّ دعبل (الأغاني ١٦/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>