قال الحافظ أبو الفرج: قلت: وقد روي أنّ الواثق رجع عن القول بخلق القرآن قبل موته.
فصل في ما جرى للإمام أحمد رضي الله عنه مع الخليفة المتوكّل على الله ابن المعتصم بالله
قال الإمام البيهقيّ: وردّ الله كيد من كاد أبا عبد الله. ثمّ ذكر بسنده إلى الإمام أحمد بن حنبل قال:
ثنا سفيان قال الإفريقيّ لأبي جعفر المنصور: يا أمير المؤمنين، إنّ عمر بن عبد العزيز كان يقول:
إنّ السلطان سوق فما نفق عنده أتى به. ثمّ ساق بسنده إلى أبي القاسم المنيعي قال: رفع رجل إلى أمير المؤمنين المتوكّل على الله قصّة أنّ أحمد بن حنبل يشتم آباءك وينسبهم إلى الزندقة. (قال) فوقّع المتوكّل: أمّا المأمون فإنّه خلط وأوجد للمقال على نفسه سبيلا. وأمّا أبو إسحاق المعتصم فإنّه كان صاحب حرب ولم يكن له بصر بالكلام. وأمّا هارون- يعني الواثق- فإنّه استحقّ ما قيل فيه. يضرب هذا الرجل- يعني الذي رفع القصّة- مائتي سوط. فجرّده خليفته بالباب، وهو عبد الله بن إسحاق، وضربه خمسمائة سوط. فرفع الخبر إلى المتوكّل فدعاه وقال له: أمرتك أن تضرب رجلا مائتي سوط، فلم ضربته خمسمائة سوط؟ فقال: يا أمير المؤمنين ضربته مائتي سوط لطاعة أمير المؤمنين، ومائتي سوط ابتغاء مرضاة الله، ومائة سوط لما تكلّم [به] في ذلك الشيخ الصالح أحمد بن حنبل. اه كلام البيهقيّ.
وقال الحافظ أبو الفرج، وولي المتوكّل على الله سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فأظهر الله به السّنّة، وكشف تلك الغمّة، فشكره الناس على ما فعل.
ثمّ ذكر بسنده إلى محمد بن خلف قال: كان إبراهيم بن محمد التيميّ قاضي البصرة يقول:
الخلفاء ثلاثة: أبو بكر، قاتل أهل الردّة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز ردّ مظالم بني أميّة، والمتوكّل: محا البدع وأظهر السنّة.
ثمّ إنّ المتوكّل على الله في سنة سبع وثلاثين ومائتين بعد مضيّ خمس سنين من ولايته بعث يستزير أبا عبد الله. قال صالح: فوجّه المتوكّل إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بحمل أبي إليه، فوجّه إسحاق إلى أبي فقال له: إنّ أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصك إليه، فتأهّب لذلك. ثمّ قال إسحاق لأبي عبد الله: اجعلني في حلّ من حضوري ضربك.
قلت (١): قد جعلت كلّ من حضر في حلّ. ثمّ قال لأبي عبد الله: أسألك عن القرآن مسألة مسترشد وليكن ذاك عندك مستورا: ما تقول في القرآن؟
قلت: كلام الله غير مخلوق. قال لي: من أين قلت: [٦ أ] غير مخلوق؟ فقلت: قال الله عزّ وجلّ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: ٥٤] ففرّق بين الخلق والأمر. فقال إسحاق: الأمر مخلوق.
فقلت: يا سبحان الله، أمخلوق يخلق مخلوقا؟
فقال: وعن من يحكى أنّه ليس بمخلوق، فقلت:
جعفر بن محمّد قال: ليس بخالق ولا مخلوق.
(قال) فسكت. فلمّا كان في الليلة الثانية وجّه إليّ فقال: ما تقول في الخروج؟ فقلت: ذاك إليك.
(قال صالح) وجاء إلى أبي جماعة من الأنصار والهاشميّين عند ما وجّه المتوكّل في حمله فقالوا له: كلّمه! - يعني الخليفة- في أمرنا. فقال: قد نويت أن أكلّمه في أهله وفي الأنصار والمهاجرين وما فيه مصلحة للمسلمين [فأمر] بردّه من بعض الطريق. (قال صالح) فقلت له: يا أبة، أريد أن تكون خيرة، فقال: لم أزل أدعو الله عزّ وجلّ [فعزل] إسحاق بن إبراهيم، وولي مكانه ابنه عبد الله بن إسحاق، فرفع الأعداء إلى المتوكّل أنّ عند أبي عبد الله علويّين. قال المروزيّ: سمعت أبا عبد الله يقول: قد جاءني أبو عليّ بن خاقان
(١) المنتظر: قال، وكذلك في بقيّة الحوار.