للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإذا استقرّت مبايعتهم حضروا مع المعاملين إلى الديوان وقاموا عنهم للجهبذ بما كتب عليهم، ويثبت ذلك في روزنامج الجهبذ (١) مع مبلغ الغلّة.

فإذا أدركت غلّاتهم وصارت في الجرون (٢) اكتالها التجّار وحملوها إلى مخازنهم يريدون فيها السعر الغال [ي]، فمنع الوزير من ذلك في هذه السنة، وكتب إلى العمّال بسائر النواحي أن يستعرضوا روزنامجات [٣٦٣ ب] الجهابذة ويحصروا منها ما قام به التجّار عن ال [م] عاملين ومبلغ الغلّة الذي وقع الابتياع عليه وأن يقوّموا للتجّار [ما] وزنوه للديوان ويربحوهم في كلّ دينار ثمن دينار، تطييبا لقلوبهم، وأن يضعوا ختومهم على المخازن ويطالعوا بمبلغ ما يحصل تحت أيديهم فيها.

فلمّا تحرّر ذلك جهّز المراكب لحمل الغلّات من النواحي، وأودعها في المخازن السلطانيّة بمدينة مصر، وقرّر ثمن التّليس ثلاثة دنانير بعد ما كان بثمانية دنانير. وسلّم إلى الخبّازين ما يبتاعونه لعمارة الأسواق، ووظّف ما تحتاج إليه مصر والقاهرة، فكان ألف تلّيس دوّار كلّ يوم: مصر، سبعمائة. والقاهرة ثلاثمائة. فاستمرّ هذا التدبير مدّة عشرين شهرا حتّى أدركت غلّة السنة الثانية، فتوسّع الناس بها وزال عنهم الغلاء، وما كادوا يتألّمون لحسن هذا التدبير.

[إعجاب الإمبراطور البيزنطيّ بحال الخلافة]

وبلغ ميخائيل متملّك الروم (٣) ما بمصر من الغلاء المذكور، فرأى لكثرة محبّته في الدولة أن يحمل إلى القاهرة مائة ألف قفيز من الغلّة، وقدم

كتابه وعيّن الغلّة والكيل الذي تستوفى به عند وصولها، وسيّرها إلى أنطاكية، وأعدّ هديّة الهدنة على العادة وهديّة من ماله، فضعّف هديّة الهدنة.

فلمّا رأى الروم ذلك منه نفرت قلوبهم وظنّوا به الميل إلى الإسلام وقتلوه وأقاموا بعده رجلا يعرف بابن سقلاروس (٤) من أهل أنطاكية، وكان عسيرا لجوجا خبيث الطباع، فقبض على الهديّتين، وقال: أنا أنفق ثمنهما على قتال المسلمين.

وكان للوزير عيون بالقسطنطينيّة فكتبوا إليه بذلك، فسيّر مكين الدولة ابن ملهم إلى اللاذقيّة في عسكر، فسار إليها وحاصرها. ونودي في بلاد الشام بالغزو إلى بلاد الروم. فلمّا اشتدّ الأمر على أهل اللاذقيّة بعثوا إلى ابن سقلاروس بما هم فيه.

فكتب إلى المستنصر يستوضح ما الذي أوجب ذلك؟ - فكتب إليه بأنّ الذي فعله في نقض ما استقرّ مع من تقدّمه من الهدنة وقبضه الهديّة أوجب ذلك. فأجاب بأنّه يحمل الهديّة، فاشترط عليه إطلاق كلّ من في بلاده من الأسرى. فأجاب بأنّه إذا أطلق من لهم في بلاد الإسلام من أسرى الروم، أطلق من عنده من المسلمين. فأجيب بأنّه لا يصحّ التماسه لذلك: فإنّ من أسر من بلاد الروم تفرّقوا في الممالك بالعراق والدولة الفاطميّة والمغرب واليمن وغير ذلك، ولا حكم للحضرة على جميع الممالك حتّى يرتجع منها من صار في أيدي أهلها. وبلاد الروم بخلاف ذلك، ومن حصل فيها من المسلمين كان كمن هو معتقل في دار واحدة لا يمكنه الخروج منها إلّا بإرادتهم، وبين الحالين فرق كبير. فأجاب بأنّه يطلق من في بلاد [هـ] من أسرى المسلمين. فاشترط عليه مع ذلك النزول عمّا صار في أيدي الروم من الحصون


(١) الجهبذ: متولّي استخلاص المكوس. والروزنامة والروزنامجة هنا: الدفتر، وهي أيضا برنامج استخلاص أموال الدولة السنويّ.
(٢) الجرن ج جرون وأجران: مخزن القموح.
(٣) هو ميخائيل الخامس (١٠٤١ - ١٠٤٢).
(٤) ميخائيل السادس «ستراتيكوس» (١٠٥٦ - ٥٧/ ٤٤٧ - ٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>