بأرضهم، فكتب صاحب البريد بخبرهم، وأنّهم قتلوا عدّة من المسلمين ممّن يعملون في المعادن فهرب المسلمون من أرضهم خوفا على أنفسهم.
فشاور المتوكّل في أمرهم، فذكر أنّهم أهل بادية أصحاب إبل وماشية، وأنّ الوصول إلى بلادهم صعب لأنّها مفاوز، وبينها وبين بلاد الإسلام مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة، وأنّ من يدخلها من الجيوش يحتاج أن يزوّد لمدّة أشهر حتى يخرج منها. فإن جاوز تلك المدّة هلك وأخذتهم البجّة باليد، وأنّ أرضهم لا تردّ على السلطان شيئا.
فأمسك المتوكّل عنهم، فطمعوا وزاد شرّهم، حتى خاف أهل الصعيد على أنفسهم منهم. فبعث القمّيّ إلى محاربتهم، فلمّا قدم على عنبسة قام له بما يحتاج إليه. وسار إلى أرض البجّة، وتبعه ممّن يعمل في المعادن، ومن المطوّعة عالم كبير، بلغت عدّتهم نحو العشرين ألفا، ما بين فارس وراجل.
ووجّه إلى القلزم فحمل له في البحر سبع مراكب موقّرة بالدقيق والزيت والتمر والسويق والشعير. وأمر أصحابه أن يوافوه بها في ساحل البحر ممّا يلي بلاد البجّة. ومضى حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذهب، وسار إلى حصونهم وقلاعهم. فخرج إليه ملكهم علي بابا في جيش كثير أضعاف من مع القمّيّ، وهم على إبل فرهة تشبه المهاري. فتحاربوا أيّاما، ولم يصدقهم علي بابا القتال لتطول الأيّام وتفنى أزواد المسلمين وعلوفتهم فيأخذهم بغير حرب. فأقبلت المراكب التي فيها الأقوات في البحر، ففرّق القمّيّ ما فيها على أصحابه فاتّسعوا. فلمّا رأى علي بابا ذلك قصدهم وصدقهم القتال فاقتتلوا قتالا شديدا. وكانت إبلهم ذعرة تنفر من كلّ شيء. فلمّا رأى القمّيّ ذلك جمع كلّ جرس في عسكره وجعلها في أعناق خيله، وحمل على البجّة فنفرت إبلهم [٦٣ أ] من أصوات الأجراس ومرّت على الجبال والأودية. وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى أدركهم الليل. [وذلك أوّل سنة إحدى وأربعين ومائتين] (١). فرجعوا إلى معسكرهم. ولم يقدر القمّيّ على إحصاء القتلى لكثرتهم. فطلب علي بابا الأمان، فأمّنه القمّيّ على أن يؤدّي ما عليه. فحمل إليه الخراج للمدّة التي منعها، وهي أربع سنين.
وسار عنهم إلى مصر، وعاد إلى بغداد، ومعه على بابا، وقد استخلف ابنه. فلمّا دخل على المتوكّل خلع عليه وعلى أصحابه الديباج. وولّى المتوكّل سعد الخادم [الإيتاخيّ] البجّة وطريق ما بين مصر ومكّة. فولّى سعد محمّد القمّيّ ذلك.
فعاد إليها ومعه علي بابا، وهو على دينه، ومعه صنم من حجارة كهيئة الصبيّ يسجد له.
فنزل القمّيّ أسوان وأقام بها مدّة، ومات في [ ... ].
٢٥٩٤ - موفّق الدين الحمزيّ [٦١٢ - ٦٩٤]
[٦٣ ب] محمد بن عبد المنعم بن جماعة بن محمد بن ناصر بن محمد، موفّق الدين، أبو عبد الله، ابن صائن الدين أبي محمد، الحمزيّ- نسبة إلى حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه.
جدّه من مدينة القدس، وأبوه من جمّاعيل.
سمع من أبيه، ومن أبي بكر ابن باقا، وأبي محمد عبد القادر ابن البغداديّ، وأبي الحجّاج يوسف بن جبريل بن جميل القيسيّ، وأبي الحسن ابن الصابونيّ.
(١) الزيادة من الكامل ٧/ ٧٨.