النصف منه، ونزل القصير في دهليز ضربه له الأمير جمال الدين موسى بن يغمور نائب دمشق.
ثمّ دخل المدينة في يوم الاثنين ونزل بالقلعة.
وكان يوما مشهودا. وقام ابن يغمور بخدمته وحلّف له الأمراء وغيرهم. وتسلطن وخلع على الأمراء وأنفق فيهم مالا جزيلا بحيث أنفد ما كان في قلعة دمشق من المال، ومبلغه ثلاثمائة ألف دينار، واستدعى بمال من الكرك أنفقه أيضا.
وأفرج عمّن كان [بدمشق] في سجن أبيه. وأتته الرسل من حماة وحلب تهنّئه بقدومه وسلطنته، وكتب بذلك إلى القاهرة على أجنحة الحمام، فسقط الطائر في رابع شوّال فدقّت البشائر بالعسكر وقلعة الجبل.
وخرج المعظّم من دمشق في يوم الأربعاء سابع عشرينه يريد القاهرة، وخلع على ابن يغمور وأقرّه على نيابة دمشق. وأصحب معه الأسعد شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزيّ، ومعين الدين هبة الله ابن أبي الزهر بن [٣٤١ ب] حشيش [الكاتب النصرانيّ] ليولّيه الوزارة. ثمّ وجّه به في أوّل ذي القعدة إلى الكرك فاحتاط على حواصلها ولحقه بالرّمل.
وخرج قاضي القضاة بدر الدين يوسف بن الحسن بن علي السنجاريّ حتى لقيه بغزّة. وخرج الأمير حسام الدين أبو عليّ نائب السلطان إلى الصالحيّة فلقيه بها في يوم السبت سادس عشره، وقد نزل بقصر أبيه الملك الصالح. فأعلن الناس يومئذ بموت الملك الصالح وخلع على الأمير أبي عليّ باستقراره في النيابة خلعة جليلة، [ف] كانت حلية السيف والمنطقة ثلاثة آلاف دينار مصريّة.
وأنشده الشعراء عدّة قصائد تهنّئه وتمدحه، وجرت بين يديه مناظرات في أنواع من العلوم فجاراهم فيها.
[تضلّعه بالفقه]:
وذلك أنّه كان قد عرف الفقه والخلاف والأصول، فإنّ جدّه الملك الكامل كان يحبّه ويلقي عليه من صغره المسائل المشكلة ويأمره بحفظها وامتحان الفقهاء بها في مجلسه. ولازم مع ذلك الاشتغال بالعلم حتى برع فيه. إلّا أنّه كان فيه هوج وخفّة، بحيث إنّه لمّا نزل قلعة دمشق وتسلطن قام بعض الشعراء، وأنشد قصيدة أوّلها [الخفيف]:
قل لنا كيف جئت من حصن كيفا ... حين أرغمت للأعادي أنوفا
فلم يتمالك نفسه وقال سريعا:
الطريق الطريق، يا ألف نحس ... مرّة آمنا وطورا مخوفا
فخالف طريق آبائه في الوقار والسكون.
ثمّ رحل من الصالحيّة ونزل تلبانة، ونزل بعدها منزلة ثالثة. ثم دخل المنصورة حيث المعسكر. فتلقّاه الأمراء والمماليك حتى نزل قصر أبيه وجدّه في يوم الخميس لتسع بقين من ذي القعدة.
فأوّل ما بدأ به [أن] أخذ مماليك الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ، وكان قد استشهد قبل قدومه. وأخذ كثيرا من مخلّفه ولم يعط ورثته شيئا، وكان ذلك بنحو خمسة عشر ألف دينار.
وأخذ يسبّ فخر الدين ويعيبه بأنّه أطلق السكّر والكتّان وأنفق المال وأطلق المحابيس، ويقول:
قد أتلف المال، فإيش ترك لي؟
[[جهاده للفرنج]]
وجدّ في قتال الفرنج فظفر لهم باثنين وخمسين مركبا وأسر منهم ألف رجل بعد ما قتل كثيرا منهم،