للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنها كثرة كرمه: وقد حكي أنّ علقمة بن عبد الرزّاق العليميّ قصده، فإذا على بابه أشراف الناس وأكابرهم، فلم يتجاسر على العبور إلى مجلسه، وبقي أيّاما إلى أن خرج أمير الجيوش يريد الصيد، فوقف له على تلّ رمل وأشار برقعة في يده وأنشد [الكامل]:

نحن التجار وهذه أعلافنا ... درّ، وجود يمينك المبتاع [٢٤٤ أ]

قلّب وفتّشها بسمعك، إنّما ... هي جوهر تختاره الأسماع

كسدت علينا بالشآم، وكلّما ... قلّ النّفاق تعطّل الصّنّاع

فأتاك يحملها إليك تجارها ... ومطيّها الآمال والأطماع

حتى أناخو [هـ] اببابك، والرجا ... من دونك السمسار والبيّاع

فوهبت ما لم يعطه في دهره ... هرم ولا كعب ولا القعقاع

وسبقت هذا الناس في طلب العلى ... والناس بعدك كلّهم أتباع

يا بدر أقسم: لو بك اعتصم الورى ... ولجوا إليك جميعهم ما ضاعوا (١)

قال العليميّ: وكان بيده باز، فدفعه لأحد مماليكه وجعل يستعيد الأبيات وأنا معه إلى أن استقرّ في مجلسه، فلمّا اطمأنّ قال للحاضرين:

من أحبّني فليخلع عليه! .

فخرجت من عنده ومعي سبعون حملا يحملون إنعامه، وأمر لي من ماله بعشرة آلاف درهم.

وهو أوّل من ولي في الدولة الفاطميّة الوزارة من أرباب السيوف، وأقام دولة الأرمن بديار مصر.

٩١٢ - بدر [الكبير] الحماميّ [الطولوني] [- (٣١٠)] (٢)

كان من غلمان أحمد بن طولون، وكان روميّا حسن الخلق: من حسن خلقه أنّه إذا قبّل أحد من الرجّالة يده باس هو رأسه.

وما زال يترقّى إلى أن صار أكبر قوّاد مصر، وتعيّن هو وصافي بعد قتل خمارويه. فلمّا صار الأمر إلى هارون بن خمارويه قبض كلّ من بدر وصافي على قطعة من الجيش حازها لنفسه وطالب عنها بأرزاقها، وسأل أن يكون مالهم محمولا إليه يتولّى هو إعطاءهم في داره. ففعل ذلك به، وصارت عدّة كلّ طائفة من الجند إلى دار من صاروا في جملته يغدون إليه ويروحون من عنده، ويطالبونه بأرزاقهم ويقبضونها من يد كاتبه، لا يخافون ولا يرجون سواه.

وخرج إلى دمشق ومعه نجح والحسين بن أحمد الماذرائي في سنة ثلاث وثمانين ومائتين، فأصلح أمر الشام، واستخلف على دمشق طغج بن جفّ الفرغانيّ، وعاد إلى مصر.

فحجّ بزيّ حسن وآلة جميلة وأنفق نفقة كبيرة، وبنى ميضاة بباب الجامع العتيق بمصر ووقف عليها فيساريّة ملاصقة لها، وجعل مع الميضاة ماء عذبا في كيزان كبار، فوضع في كلّ حلقة من حلق الجامع كوزا، وجعل أزيارا (٣) مملوءة ماء مطلقة لسائر الناس.


(١) الخطط ٢/ ٣٣٠. ولجوا: ولجئوا.
(٢) الطبري: سنوات ٢٨٩، ٢٩٠؛ تاريخ بغداد ٧/ ١٠٥ (٢٥٤٧)؛ اللباب ١/ ٣٨٥ وفيه أنّه توفّي سنة ٣١١؛ الأعلام ٢/ ١٢؛ تحفة ذوي الألباب ١/ ٣٣١؛ الوافي ١٠/ ٩٤ (٤٥٤٣): بدر المعتضديّ؛ والحماميّ نسبة إلى الحمام الزاجل.
(٣) الزير، جمعه زيار وأزيار: الكوز الكبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>