وأربعمائة عن ثمانين سنة، منها مدّة تحكّمه بديار مصر زيادة على عشرين سنة.
وكان شديد الهيبة مخوف السطوة كثير البطش، قتل في سلطنته خلقا لا يعدّ من كبار المصريّين وقوّادهم وكتّابهم ووزرائهم.
وقد ذكره الشريف أبو يعلى محمد بن محمد ابن الهبّاريّة (١) في كتاب الصادح والباغم فقال [الرجز]:
كان بمصر بدر ... له عليها الأمر
يقتل كلّ ساعة ... من أهلها جماعة
ويهرق الدماء ... حتى تخال ماء
أصلحها بسيفه ... وجوره وحيفه
جزاء كلّ فعل ... لديه سوء القتل
لمّا عصاه ولده ... وبان منه نكده
خنقه بيده ... ثمّ رمى بجسده
فغضب المستنصر ... وقال: هذا منكر
فقال: لو عصاني ... قلبي في جثماني
نزعته من صدري ... ولم يكن بنكر
ثمّ غزا لواته ... إذ ظنّهم حماته
فحين قيد الأسرى ... قال: اقتلوهم صبرا
عشرين ألفا كانوا ... حتى جرى الميدان
في النيل من دماهم ... ولجّ في إفناهم
وهو على ظهر الفرس ... كضيغم إذا افترس
ومات حتف أنفه ... لم يعتسف بعسفه
وكان واسع النفس بحيث إنّه كان اتّخذ وهو بعكّا، ثلاثمائة قنطار بالشاميّ سكّرا، فعزّ في سنة اثنتين وستّين وأربعمائة السكّر، وبلغت قيمة القنطار إلى خمسين دينارا، وطلب فلم يوجد في أوّل شهر رجب منها، فقيل لبدر: ثمن هذا السكّر الذي عندك خمسة عشر ألف دينار، تبيعه أو بعضه؟
فامتنع، وقال: نحن نحتاج إليه في هذه الشهور، يعني رجب وشعبان ورمضان، فاستعملت كلّها في مطابخه، وسمحت نفسه بإتلاف هذا المبلغ الكبير من الذهب.
وعلى يده صلحت ديار مصر وعمرت بعد تحكّم الفساد بها وخرابها.
ومن محاسن سيرته أنّه أباح الأرض لمن يزرعها مدّة ثلاث سنين حتى تراجعت إلى الفلّاحين أحوالهم واستغنوا في أيّامه.
ومنها أنّه بسط العدل فأمّنت الطرق، وحضر إلى مصر والقاهرة كثير من التجّار وأرباب الأموال، بعد انتزاحهم عنها في أيّام الشدّة.
(١) ابن الهبّاريّة (ت ٥٠٩): النجوم ٥/ ٢١٠. والمنظومة نشرها عزّت العطّار القاهرة ١٩٣٦. والأبيات في ص ٦٠ منها بعنوان: «مثل ملك ظالم لم يقتل بل مات حتف أنفه».