للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والباطل زاهقا، فضلا منك عليّ، ونعمة جدّدتها لديّ، اللهمّ، فألهمني شكر نعمتك، ووفّقني للعمل بما يرضيك، ويزلفني لديك، ويقرّبني إليك، فإنّه لا حول ولا قوّة إلّا بك، عليك توكّلت وإليك أنيب.

«اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنّك رءوف رحيم».

ونزل ونحر ناقته بيده. وانصرف الناس، وقد علموا أنّه الإمام، وأنّ القائم بأمر الله قد توفّي، ففرحوا بخلافته. وكتب أهل العسكر بذلك إلى القيروان والمهديّة، فسرّ الخاصّ والعامّ سرورا عظيما.

ووصلت عساكر كتامة في ثاني يوم النحر، فأعرض عنهم وقال: «لا حاجة لي اليوم بكم».

فتضرّعوا إليه وسألوه الرضى عنهم، وضمنوا له أنّهم يوافونه بعشرين ألف فارس وراجل. فرضي عنهم وبعث معهم ميسورا (١) الخادم، وأجّل لهم عشرين يوما. فبلغ ذلك أبا يزيد فأيقن بالهلكة، وكتب إلى معبد بن خزر مع ابنه فضل ابن أبي يزيد يسأله النصر، وكان معبد يرى رأي النكّار، فأجابه وحشد الحشود وزحف على بسكرة وطبنة فانصرف مفلولا.

ودخلت سنة ستّ وثلاثين وثلاثمائة. فوصل ميسور بعساكر كتامة في يوم الثلاثاء لعشر خلون من المحرّم. وكان المنصور يقول في سفره هذا كلّه: «إن لم آخذ أبا يزيد وأسلخه فلست بابن فاطمة ولست لكم بإمام». ولمّا أمر بعمل القفص قال: «إن لم أدخل أبا يزيد في هذا القفص فلست بابن رسول الله، ولقد ندمت إذ لم أصعد منبر

القيروان وأذكر هذا لسائر الناس». وكان يقول هذه، وأبو يزيد في ستّة وثمانين ألف خصّ، في كلّ خصّ جماعة أقلّهم ثلاثة، وكلّ الناس قد يئسوا من بقاء الدولة.

[رؤيا للمنصور تبشّره بالنصر]:

ثمّ لمّا كان قبل أخذ أبي يزيد بثلاث ليال قال المنصور لطبيبه موسى بن العزار (٢): يا موسى، رأيت البارحة في النوم كأنّ القائم بأمر الله، نضّر الله وجهه، قد جاء من خلفي فضرب بيده على كتفي، فحوّلت وجهي إليه مظهرا إجلاله وإعظامه، فقال لي: يا إسماعيل لك البشرى! فأخرج من كمّه كتف شاة وقال: انظر في هذه الكتف فإنّ فيها قبر عدوّك، وأنت تأخذه وتظفر به سريعا- وأراني موضعا من الكتف فيه القبر الذي أومأ إليه.

فقال له موسى: يا مولاي، هذه بشرى ألقاها الله إليك!

و[بينا] هم في الكلام إذ أتى الطبّاخ بالمائدة، فأكل المنصور ومدّ يده إلى كتف فجرّدها وأمر بمسحها ثمّ أخذها ونظر فيها وقال: «والله لكأنّ هذه الكتف التي رأيت في منامي، وهذا القبر في المكان الذي أرانيه! ». فكان أخذه بعد ذلك بثلاثة أيام. وذلك أنّه لمّا كان يوم الخميس النصف من المحرّم زحف إلى القلعة عند طلوع الشمس بجميع عساكره فكان قتال شديد في يوم شديد الحرّ. ونزل المنصور على تلّ مشرف ليرى منه القتال، وأمر بالروايا والقرب، فنقل فيها الماء على البغال إلى المقاتلة. وقتل من البربر خلق


(١) المذكور في عيون الأخبار، ٤٩٤ هو مسرور.
(٢) أو ابن العازار كما في اتّعاظ الحنفاء، ١٩٦ أو ابن العيزار كما عند القفطيّ، وابنه إسحاق ترجم له المقريزيّ آنفا ص ٣٥ رقم ٧٢٠. وسيذكر طبيبا آخر للمنصور يسمّيه إسحاق بن سليمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>