للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[مبايعته عبد الملك بن مروان]]

ولم يزل ابن الحنفيّة بالطائف حتّى [١٣٠ ب] أقبل الحجّاج بن يوسف من عند عبد الملك بن مروان لقتال عبد الله بن الزبير. فلمّا حصره عاد ابن الحنفيّة إلى الشام. وكتب إليه عبد الملك بعد قتل مصعب بن الزبير وبعثته الحجّاج: أمّا بعد فإذا أتاك كتابي فاخرج إلى الحجّاج عاملي فبايعه.

فكتب إليه: إنّي لا أبايع حتّى يجتمع الناس عليك. فإذا اجتمعوا كنت أوّل من يبايع.

فلمّا قتل عبد الله بن الزبير، وهو (١) يومئذ بالشعب، سرّح أبا عبد الله الجدليّ بكتاب منه إلى عبد الملك يسأله الأمان لنفسه ولأصحابه. وبعث إليه الحجّاج يأمره بالبيعة فأبى، وقال: قد كتبت إلى عبد الملك كتابا فإذا جاءني جوابه بما سألته بايعت.

قال: أو تشترط على أمير المؤمنين؟ لتبايعنّ طائعا أو كارها.

فأتاه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال له:

ما تريد من رجل ما نعلم في أهل زماننا مثله.

أمسك عنه حتى يأتيه كتاب ابن عمّه! - وقد كان كتاب عبد الملك أتى الحجّاج قبل قتل ابن الزبير يأمره فيه بالكفّ عن ابن الحنفيّة والرّفق به.

فأمسك الحجّاج حتى قدم على ابن الحنفيّة رسوله أبو عبد الله الجدليّ بجواب كتابه ببسط الأمان له وتصديق قوله ووصف ما هو عليه في إسلامه وعفافه وفضله وقرابته وعظيم حقّه. وقال:

لعمري، لئن ألجأتك إلى الذهاب في الأرض خائفا، لقد ظلمتك وجفوتك وقطعت رحمك! فبايع الحجّاج على بركة الله!

وأمره بالقدوم عليه آمنا مأمونا، وفي الرحب

والسعة، وإلى الكرامة والأثرة والمواساة.

فخرج إلى الحجّاج فبايعه لعبد الملك.

وأشخصه معه إلى عبد الملك في جماعة، منهم عبد الله بن عمرو بن عثمان، ومحمد بن سعد بن أبي وقّاص، وعروة بن الزبير رضي الله عنهم.

فلمّا قدم على عبد الملك، أعظمه وبرّه وأكرمه وأقبل عليه. فحسده الحجّاج على ما رأى من احتفاء عبد الملك به. فقال: والله يا أمير المؤمنين لقد أردت أن أضرب عنقه لولا تقدّمك إليّ بأمره، لتأخّره وتثاقله عن البيعة.

فقال له عبد الملك: مهلا يا حجّاج.

فسأله ابن الحنفيّة أن ينزع عنه سلطانه، فقال:

إنّه لا سلطان له عليك ولا لأحد من الناس [١٣١ أ] دوني. ولك في كلّ سنة رحلة إليّ ترفع فيها حوائجك فأقضيها لك.

ويقال: إنّه قال: أخلني يا أمير المؤمنين!

فقال: إنّه ليس دون الحجّاج سرّ.

قال: فأعدني (٢) عليه، فإنّه يكلّفني الغدوّ والرواح إليه ويعدي عليّ غرمائي قبل بيع الثمرة.

فقال عبد الملك: لا سلطان لك عليه دون بلوغ الثمرة، ولا على عبد الله بن جعفر، فإنّهما ينتظران الغلّة أو صلتنا.

ثمّ انصرف من عند عبد الملك، وكان معه جماعة من أصحابه، منهم عامر بن واثلة أبو الطفيل، ومحمد بن نشر، ومحمد بن يزيد بن مزعل، حتّى قدموا المدينة.

وقال أبو الحسن المدائنيّ عن ابن جعدبة (٣) عن ابن كيسان قال: قال عبد الملك لابن الحنفيّة حين


(١) أي: ابن الحنفيّة.
(٢) أعداه على فلان: نصره وقوّاه.
(٣) ابن جعدبة: أحد الذين يروي عنهم الطبريّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>