للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مساجد ومدارس ووسّع طرقاتها. وأنشأ بالقاهرة دارا في غاية الحسن. وعمل له في جميع بلاد الشام آثار يذكر بها.

وكان سليم الباطن لا يعرف المكر ولا الدهاء.

وكان لا يحتمل شيئا ولا يصبر على أذى، ولا يداري الأمراء، ولا يرفع لهم رأسا، بل يعرض عنهم. وكان الناس في أيّامه آمنين على أموالهم ووظائفهم.

وكان يسير في كل سنة بالعسكر للصيد إلى نواحي الفرات. وعدّي في بعضها الفرات وتصيّد في ذاك البرّ خمسة أيام، فكان الناس ينجفلون قدّامه إلى بلاد توريز وسلطانيّة، وكذلك بلاد ماردين وبلاد سيس.

وكانت أغراضه كلّها في عمل الحقّ ونصرة الشرع، إلّا أنّه كان يتخيّل في بعض الأوقات تخيّلا فاسدا ويبني عليه، فهلك بذلك أناس، ومن مهابته [٣٣٨ ب] لا يتجاسر أحد على إظهار الصواب له فيما يفعله. وكان شديد الغضب لا سبيل إلى إرضائه إذا غضب، ولا يعفو إذا قدر، بل كان يبطش بطش الجبّارين. وإذا كان الذنب صغيرا لا يزال يكبّره إلى أن يخرج فيه عن الحدّ. وكان إذا غضب على أحد، في الغالب لا يزال في خمول حتى يموت، وما غضب على أحد فرضي عنه. وقال مرّة: أيّ لذّة للحاكم إذا لم يكن رعاياه آمنين مطمئنّين؟

وكان يأكل مرّة مع بعض خواصّه فرأى أصبعه مربوطة فسأله عنها فأخبره أن قوّاسا عمل له قوسا ثلاث مرّات فلم يعجبه وأنّه لكمه. فأمر بإقامته عن الطعام وضربه فضرب نحو أربعمائة عصا، وأخرج عنه إقطاعه وغضب عليه عدّة سنين. وكان لا يغفل عن نفسه في وقت من الأوقات، بل كان كأنّه واقف بين يدي الله تعالى، ويواظب على قيام الليل ويجدّد لكلّ صلاة وضوءا. ولم يعرف عنه أنّه أمسك بيده ميراثا قطّ منذ كان مملوكا في الطباق حتى مات.

[[تركته وثروته]]

وحمل له من دمشق ثلاثمائة ألف وستّة وثلاثون ألف دينار مصريّة، وألف ألف وخمسمائة ألف درهم، وجواهر، ولؤلؤ، وطرز زركش، وكلوتات زركش وحوائص ذهب بجامات مرصّعة، وثياب أطلس، وأنواع قماش، [م] ما كان جملته ثماني مائة حمل. ثمّ استخرج له أربعون ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم، سوى الجواري والمماليك والخيول. وقوّمت أملاكه التي بدمشق بالعدول وأرباب الخبرة وشهود القيمة، وعمل بذلك محاضر فبلغت قيمة أملاكه بدمشق وضياعها خمسة [٣٣٩ أ] آلاف ألف درهم وثلاثمائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وخمسمائة درهم، وأملاكه ببيروت ثلاثمائة ألف وخمسة وأربعين ألف درهم، والقرى التي بالبقاع، وأملاك بصرخد وأذرعات وعجلون وغيرها، ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف وأربعة عشر ألف درهم، وأملاك بقارا ألف ألف ومائتي ألف وخمسة آلاف درهم: فجملة ذلك عشرة آلاف ألف وستّمائة ألف وثمانية آلاف وخمسمائة درهم، منها زيادة على خمسمائة ألف دينار مصريّة سوى أملاكه وأوقافه بصفد وعجلون والقدس ونابلس والرملة وجلجوليّة (١) والقاهرة.

١٠٣٥ - توبة بن النّمر القاضي [- ١٢٠] (٢)

[٣٣٩ ب] توبة بن النمر بن حرمل بن يغلب بن


(١) جلجوليّة: ذكرت في السلوك ١/ ٥٣٤ كإقطاع مقسّم بين ثلاثة أمراء، ولم نعرف مكانها.
(٢) فتوح مصر لابن عبد الحكم (نشر تورّي) ٢٤٠؛ الكندي ٣٤٢؛ تاريخ البخاري ٢/ ١٥٦ (٢٠٤٢)؛ رفع الإصر ١/ ١٥٨؛ الجرح والتعديل ٢/ ٤٤٦ (١٧٩٤)؛ حسن المحاضرة ٢/ ٩٧؛ المؤتلف والمختلف ٣٠٧؛ الإكمال ٧/ ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>