للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بها، وكنّي في هذا الكتاب بأبي الجيش. فقرئ على منبر الجامع وحضر الناس قراءته وأنفذ نسخة إلى الأعمال. ثمّ قدم خمارويه إلى مصر سلخ رجب، فأمر بالدعاء لأبي أحمد الموفّق وترك الدعاء عليه.

[بعض أعماله المعماريّة: البستان ... ]

وأقبل على قصر أبيه فزاد فيه، وجعل ميدان أبيه كلّه بستانا زرع فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر، وحمل إليه كلّ صنف من خراسان وغيرها وتأنّق فيه تأنّقا زائدا قد ذكرته في كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (١). وبنى برجا من الخشب الساج للطيور جمع فيه أنواع الطير.

[[ ... وبركة الزئبق]]

وعمل في داره مجلسا برواق سمّاه بيت الذهب- وكان إحد [ى] عجائب الدنيا- وجعل بين يدي هذا البيت فسقيّة، يقال: ذرعها خمسون ذراعا في خمسين ذراعا وملأها من الزئبق، واتّخذ له فرشا من أدم يحشى بالريح ويربط بحبال من حرير قد عملت في حلق من فضّة حتى تصل إلى أقياد.

فكان ينام على هذا الفراش فوق الزئبق، ولم يسبقه أحد لعمل بركة من زئبق.

[[ ... ودار السباع]]

وبنى دارا للسباع فيها عدّة بيوت، في كلّ بيت سبع ولبوة. واتّخذ لنفسه سبعا سمّاه زريق لزرقة عينيه، وكان مطلقا في الدار لا يؤذي أحدا، فإذا جلس أبو الجيش على المائدة ربض بين يديه، وصار يرمي له ممّا قدّامه. وإذا نام ربض بين يدي سريره يراعيه نظره حتى ينتبه، خوفا ممّن يعتاله.

وبلغ رزق جيش خمارويه في كلّ سنة تسعمائة

ألف دينار، وقائم مطبخه المعروف بمطبخ العامّة في السنة ثلاثة وعشرين ألف دينار، سوى مطبخه الخاصّ وما هو لداره وأرزاق من يخدمجواريه.

[اتّخاذه حرسا خاصّا]

وأعدّ لنفسه من مولّدي الضياع وشناتره (٢) الحوف قوما سمّاهم «المختارة» أصحاب شجاعة وبأس شديد وخلق تامّ، ألبسهم الأقبية والخفاتين الديباج والمناطق الثقال العراض، وقلّدهم سيوفا محلّاة على أكتافهم ودرقا من حديد مصقول، وصاروا يمشون بين يديه محيطين به، وعدّتهم ألف. فكان إذا ركب أطاقوا به، وقدّامهم على قدر نصف رمية سهم، ألف أسود عليهم البيض الحديد المصقولة من فوق رءوسهم، وعلى أكتافهم الدرق، وثيابهم أقبية سود بعمائم سود، فتكون له هيبة عظيمة، وكان تامّ الظهر إذا ركب كأنّه قطعة جبل في وسط هؤلاء.

[تغلّبه على ابن أبي الساج (جمادى ٢٧٦)]

فبينا هو في لذّاته إذ ورد الخبر بأنّ محمد بن ديوداذ المعروف بابن أبي الساج قد خلع طاعته، وكان عاهد أبا الجيش وبعث إليه ابنه رهينة عنده.

فوصله أبو الجيش عند قدوم ابنه بما قيمته ثلاثون ألف دينار. فقال ابن أبّا: لقد خدعكم محمد بن أبي الساج: أعطاكم بولة يبوّل مثلها [٤٤٥ أ] في الليلة مرّات، وأخذ منكم ثلاثين ألف دينار، فخرج أبو الجيش من الفسطاط في ذي القعدة سنة أربع وسبعين، ولقيه عند ثنيّة العقاب خارج دمشق. فحملت أصحاب ابن أبي الساج على


(١) الخطط ٢/ ١٠٨، وفيها وصف البستان وبركة الزئبق ودار السباع.
(٢) الشتاترة: لعلّها تعني أوشاب الناس، من شنتر الثوب، وشنتر الأعراض: مزّقها. وفي الخطط ٢/ ١١١: من ولد الحوف وشناترة الضياع، وزاد: وشغلهم عمّا كانوا فيه من قطع الطريق وأذيّة الناس، بخدمته. وانظر الخطط ٢/ ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>