للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأخذ في تعديل من يؤثر تعديله.

وأقطعه الحاكم عدّة دور، منها دار بالقاهرة قريبة من الخليج، فكان يركب النيل في عشاريّ (١)، ويعبر الخليج إليها، ومعه جميع الشهود على دوابّهم بحافّة الخليج يسايرونه حتى ينزل بداره. ثمّ يركب منها إلى القصر، فإذا قضى الخدمة عاد إلى الدار وركب منها إلى داره بالحمراء (٢).

ولا عن في ولايته بين رجل وامرأة (٣)، وضرب جماعة وشهّرهم على التزوير.

[تشدّده وقساوته]

وساير الحاكم في الموكب وهو بجانبه، وقد شغل بمحادثته دون من عداه. فتجبّر وألزم الشهود بحضور مجلسه في داره وبالجامع على عادته، وكان من أبطأ عن وقت الحضور وكلّ من يأخذ منه جعلا جيّدا بسبب تخلّفه. وألزم كتّابه بالجلوس في داره لتوقيعات الناس وضروراتهم. وكان في داره جماعة يكتبون مجالس الحكمة. وكان يتتبّع شهادات الشهود، ويحكي في علامته بالثبوت تضمين ما يشهد به الشاهد عنده، ويتتبّع قراءة ما سجّل به عنده، ويقرؤه بنفسه قبل قراءته عليه وقبل أن يشهد به على نفسه.

وكان يتفضّل على أهل العلم والفضل والأدب وأرباب البيوتات، ويجري عليهم الجرايات، ومنهم من يحمل إليه في كلّ شهر وفي كلّ سنة القمح وغيره من الصلات والملابس. وكان

يتفضّل على حاشيته وخدمه.

ومن قبيح أفعاله أنّه اختصّ قوما من الشيعة كان عمّه لا يجيز شهادتهم فجعلهم أمناء، بهم يأخذ ويعطي، فكثرت شهادتهم [ب] الزور علىالمستورين وآذوا الناس بأنواع الأذى، واستخفّوا بهم وشتموهم. ثمّ صاروا يلقون الرجل من الناس فيلعنون الصحابة رضي الله عنهم، وإن أنكر عليهم شهدوا عليه بما شاءوا ورفعوا أمره إلى القاضي حسين هذا.

[ومنها] أنّ رجلا يعرف بحسين القصير لعن من يلعن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأمر به فأحضر إلى الجامع وأخبره بما شهدوا به عليه فقال: «ما لعنت أحدا وما أنا من أهل اللعن»، واستخصم من شهد عليه. فقال له القاضي:

«فالعن فلانا وفلانا». فأبى أن يلعنهما فقال له:

«الآن صدقوا فيما نقلوا عنك». وأمر به فضرب ضربا وجيعا، ثمّ استدعى صاحب الشرطة فضربه على باب الجامع وطوّفه. فأنكر الناس ذلك.

وشدّد برجوان على القاضي حتّى قال له أبو العلاء [٤٠٨ ب] فهد بن إبراهيم النصرانيّ كاتب برجوان:

وحقّ أمير المؤمنين، لو قال لي هذا- يعني برجوان-: العن أصحاب المسيح! ما خدمته أبدا ولو قتلت. وأنت تكره الناس على اللعن، فمن أمرك بهذا؟

وكان سبب قتله أنّه رفع رجل إلى الحاكم أنّ أباه توفّي وترك له عشرين ألف دينار، وأنّها في ديوان القاضي، وقد أخذ منها رزق أوقات معلومة، وعرّفه القاضي أنّ ماله نجز. فلمّا عاد الحاكم إلى القصر دعا بالقاضي ورفع إليه رقعة المتظلم. فقال كقوله للرجل من أنّه قد استوفى ماله عن آخره. فأمر بإحضار ديوان القاضي من ساعته وفتّش عن مال الرجل فوجد أنّ الذي وصل


(١) العشاريّ: عن هذا النوع من السفن، انظر تعليق المرحوم الشيّال في الاتعاظ، ١/ ٣١٣ هامش ١.
(٢) الحمراء أحد مواقع ثلاثة بهذا الاسم. وقيل سمّيت الحمراء لنزول الروم بها.
(٣) قد سبق لعان مماثل في مدّة محمد بن النعمان. انظر ترجمته رقم ٣٤٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>