فعزم عبد الله على ادّعاء الخلافة وخطب الناس بين دلوك ورعبان. وقد كان قدم عليه أبو غسّان والهيثم بن زياد، فاستشهدهما. فأمّا أبو غسّان فشهد له. وأمّا الهيثم فقال: «أشهد أنّ أبا العبّاس ولّى الخلافة أبا جعفر»، فقتله.
وبايع الناس عبد الله بن عليّ، وبايعه حميد بن قحطبة.
وسار فنزل قنسرين، فاستعمل [٢٤٠ ب] عليها زفر بن عاصم، وولّى عثمان بن عبد الأعلى دمشق، والحكم بن ضبعان فلسطين. وكتب إلى الحسن بن قحطبة وهو بأرمينية، وإلى ماكد بن الهيثم وهو بأذربيجان، وإلى محمد بن صول وهو بسميساط مقيم في خمسة آلاف، يدعوهم، فلميجيبوه. فسار إلى حرّان وعليها مقاتل بن حكيم العكّي، وهو في أربعة آلاف، وهو على الجزيرة فحصره ووضع عليها المجانيق. ثمّ طلب مقاتل الصلح فصالحه. ودخل مدينة حرّان في صفر سنة سبع وثلاثين ومائة.
ثمّ أتى الرقّة واستعمل على الجزيرة عبد الصمد ابن عليّ أخاه، وولّاه عهده، وصيّر على شرطته منصور بن جفونة بن الحرث، أحد بني عامر بن ربيعة.
وبعث العكّي إلى ابن سراقة وأمره أن يقتله وابنه خالدا فلم يفعل وحبسه.
واستعمل حميد بن قحطبة على قنسرين، وعزل زفر بن عاصم في الظاهر، فكتب إلى زفر: «إذا ورد عليك حميد فاقتله ومن معه». فعلم حميد بذلك فسار حتى قدم على المنصور فأمره أن يلحق بأبي مسلم.
[تكليف أبي مسلم بقتال عبد الله بن عليّ]
وكان أبو مسلم كتب إلى أبي العبّاس يستأذنه في الحجّ فأذن له فقدم فحجّ. وكان أبو جعفر المنصور حاجّا أيضا. فلمّا قدما الأنبار قال أبو مسلم لأبي جعفر: إن شئت جمعت ثيابي في منطقتي وخدمتك. وإن شئت أتيت خراسان فأمددتك بالجنود. وإن شئت شخصت إلى عبد الله بن علي فحاربته.
فوجّهه لمحاربته وشيّعه إلى عكبرا. وكان الحسن بن قحطبة بأرمينية فكتب إليه المنصور في اللحاق بأبي مسلم، فوافاه بأرض الموصل في ألف. فصيّره أبو [٢٤١ أ] مسلم على مقدّمته.
ووافى مالك بن الهيثم أبا مسلم بالموصل بكتاب المنصور إليه في اللحاق به والسمع والطاعة له.
ودسّ المنصور محمد بن صول إلى عبد الله بن عليّ ليفتك به إن أمكنه ذلك ويكتب إليه بأخباره فأتاه وصار معه. فكتب بعض عيون عبد الله بن عليّ في عسكر المنصور: «صل بابن صول قبل أن يصول بك! » فقتله عبد الله وابنين له.
ويقال: قدم المنصور الكوفة فولّاها طلحة بن إسحاق بن محمد بن الأشعث. وسار إلى الأنبار فوجد أبا مسلم بها فولّاه حرب عبد الله بن علي، وأعطى الجند الذين معه اثني عشر ألف ألف درهم- ويقال ثمانية عشر ألف ألف-. وكان أبو العبّاس السفّاح حطّ الأرزاق في سنة خمس وثلاثين [ومائة] إلى ستّين ستّين، فصيّرها أبو جعفر المنصور ثمانين ثمانين، وسوّغهم عطاء أعطاهم إيّاه عيسى بن موسى فشكروا ذلك.
ووهب المنصور لكلّ رجل من عمومته ألف ألف درهم، وكان أوّل خليفة أعطى ألف ألف بصكّ (١*) إلى بيت المال يجري في الدواوين.
ولم يقم بالأنبار إلّا جمعة، وعزل جهور بن مرّار العجليّ عن شرطته وولّاها عبد الجبّار بن
(١*) الصكّ كلمة فارسيّة تعني الوثيقة الماليّة الموقّعة من الضامن. وقد مرّت في ص ٤٩، وفي معجم أدّي شير: هو الكتاب.