أربابها أو غير أربابها؟
وقال لي: اشترى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه دار السجن من مالك أو غير مالك؟
فلمّا علمت أنّ الحجّة لزمتني، قمت.
[نفور الشافعيّ من المتكلّمين]
وقال الربيع: حضرت الشافعيّ- أو حدّثني أبو شعيب، إلّا أنّي أعلم أنّه حضر عبد الله بن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو بن يزيد وحفص الفرد، وكان الشافعيّ يسمّيه «المنفرد» - فسأل حفص عبد الله بن عبد الحكم فقال: «ما تقول في القرآن؟ » فأبى أن يجيبه. فسأل يوسف بن عمرو بن يزيد فلم يجبه، وأشار كلاهما إلى الشافعيّ. فقال الشافعيّ، واحتجّ عليه. فطالت فيه المناظرة، فقام الشافعيّ بالحجّة عليه بأنّ القرآن كلام الله غير مخلوق وكفّر حفصا. قال الربيع: فلقيت حفصا بالمسجد بعد فقال: أراد الشافعيّ قتلي؟
وقال الربيع: سمعت الشافعيّ يقول: ما أوردت الحقّ والحجّة على أحد فقبلها منّي إلّا هبته واعتقدت مودّته. ولا كابرني على الحقّ أحد ودفع الحجّة إلّا سقط من عيني.
وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم:
سمعت الشافعيّ يقول: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ.
وفي رواية: ما ناظرت أحدا إلّا على النصيحة.
وفي رواية: وما في قلبي من علم إلّا وددت أنّه عند كلّ أحد ولا ينسب إليّ.
وفي رواية: ما ناظرت أحدا أحببت أن يخطئ إلّا صاحب بدعة، فإنّي أحبّ أن ينكشف أمره للناس.
[تعلّق الشافعيّ بالأثر]
وعن أحمد بن حنبل أنّه قال: كان أحسن أمر الشافعيّ عندي أنّه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده، قال به وترك قوله.
وفي رواية: كان الشافعيّ إذا ثبت [١٦٤ أ] عنده الخبر قلّده، وخير خصلة كانت فيه: لم يكن يشتهي الكلام، وإنّما همّه الفقه.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول:
قال محمد بن إدريس الشافعيّ: أنتم أعلم بالأخبار الصّحاح منّا. فإذا كان خبر صحيح، فأعلمني حتّى أذهب إليه، كوفيّا كان أو بصريّا أو شاميّا.
وفي رواية: أنتم أعلم بالحديث والرجال منّي.
فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني، إن شاء أن يكون كوفيّا أو بصريّا أو شاميّا، حتى أذهب إليه، إذا كان صحيحا.
وفي رواية: قال لنا الشافعيّ: إذا صحّ عندكم الحديث فقولوا لنا حتّى نذهب إليه!
قال البيهقيّ: فإنّما أراد حديث أهل العراق، والله أعلم، ليأخذ بما صحّ عنده (١) من أحاديث أهل العراق كما أخذ بما صحّ عنده من أحاديث أهل الحجاز. (قال): وهذا لأنّ المتقدّمين من أهل الحجاز كانوا لا ينكرون عن رواية أهل العراق ولا يأخذون بها، لما يبلغهم من مساهلة بعضهم في الرواية. فلمّا قام بعلم حديثهم ومعرفة رواية حفّاظهم من قام، وميّزوا صحيح الحديث من سقيمه، أخذ الشافعيّ رحمه الله بما صحّ من ذلك.
وكان أحمد بن حنبل رحمه الله من أهل العراق، وكان قد عرف من أحوال رواتهم لحديثهم ما عساه يخفى على علماء الحجاز، فرجع الشافعيّ إليه في معرفة رواة الحديث من أهل العراق. ثمّ كان
(١) في المخطوط: عندهم.