للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دار النيابة، وحضر بيبرس وسائر الأمراء والمماليك. وجيء بالخليفة أبي الربيع سليمان والقضاة، وقرئ عليهم كتاب الملك الناصر، وشهدأيدمر الخطيريّ والحاج آل الملك بنزوله عن السلطنة، عند قاضي القضاة زين الدين عليّ بن مخلوف المالكيّ (١)، فأثبت النزول.

وأعاد الأمراء القول فيمن يلي السلطنة، وأشاروا بسلطنة سلّار، فقال: نعم، بشرط أنّ كلّ ما أشير به لا تخالفو [ن] ني فيه.

[[تولية بيبرس السلطنة]]

فلمّا التزموا موافقته حلّفهم على المصحف ألّا يخالفوا له قولا. فقلق البرجيّة ونظر بعضهم إلى بعض، خوفا من تمام الأمر لسلّار. فلمّا حلف الأمراء كلّهم قال سلّار: والله يا أمراء، أنا ما أصلح للملك، ولا يصلح له إلّا أخي هذا- وأشار إلى بيبرس، ونهض قائما. فقامت البرجيّة بأجمعها وقالت: صدق الأمير! - وأخذوا بيد بيبرس وأقاموه كرها، وصاحوا على الجاويشيّة فأعلنوا باسمه، وأفيضت عليه الخلعة الخليفيّة- وهي فرجيّة حرير أطلس أسود، وطرحة- وتقلّد سيفين على العادة، وركب فرس النوبة بالرقبة الزركش من دار النيابة. ومشى سلّار وسائر الأمراء والعسكر بين يديه، وعبر من باب القلعة إلى الإيوان (٢)، وجلس على تخت السلطنة، وتلقّب بالملك المظفّر، وصار يبكي بحيث يراه كلّ أحد، وذلك في يوم السبت ثالث عشرين شوّال [سنة ٧٠٨] (٣). ثمّ قام ودخل إلى القصر وتفرّق الناس، بعد ما كان يظنّ أنّ الفتنة تعظم بين أتباع سلّار وأتباع بيبرس، فلم يتحرّك ساكن. وحضر الأمراء

يوم الاثنين خامس عشرينه للخدمة فأظهر لهم التغمّم بما نزل به، وأنّه أكره على ما هو فيه.

وخلع على الأمير سلّار [٣١٤ ب] واستقرّ في نيابة السلطنة على عادته. وكتب إلى الأعمال بالبشارة:

فخرج بيبرس الأحمديّ إلى حلب، وبلاط (٤) إلى حماة، وأيبك البغداديّ [٢٧٢ ب] وزير بغداد وساطي إلى دمشق. وكتب تقليد الملك الناصر بنيابة الكرك والشوبك. فوردت أجوبة الجميع بالسمع والطاعة والدعاء له على المنابر وضرب السكّة باسمه، إلّا الأمير آقوش الأفرم، فإنّه توقّف حتى بعث إلى الملك الناصر من يثق به، فلمّا عاد وأخبره بتركه السلطنة حلف للمظفّر وخطب باسمه في يوم الجمعة سادس عشر ذي القعدة.

فاستدعى الخليفة والقضاة وجدّدت له الولاية بالسلطنة مرّة ثانية ولبس الخلعة الخليفيّة، وكتب له العهد من إنشاء علاء الدين عليّ بن عبد الظاهر، وحمله الصاحب ضياء الدين عبد الله النشائيّ (٥) على رأسه، وحضر الأمراء قراءته.

ثمّ ركب السلطان من الغد بشعار السلطنة في موكب عظيم إلى قبّة النصر، وقد خلع على سائر أرباب الدولة، من أرباب السيوف والأقلام، فبلغت عدّة الخلع إلى ألف ومائتي خلعة، وعلى السلطان فرجيّة سوداء بطرز ذهب وعمامة سوداء ملمّعة بقطع ذهب وهي مدوّرة اللفّة، وسيفاه على عاتقيه، والوزير ضياء الدين قدّامه على فرس، والعهد على رأسه في كيس حرير أسود. ثمّ عاد إلى القلعة، وكان يوما مشهودا.


(١) توفّي هذا القاضي سنة ٧١٧؛ النجوم ٨/ ٢٣٣ هامش ٢.
(٢) الإيوان هو دار العدل؛ الخطط ٢/ ٢٢٦.
(٣) السلوك ٢/ ٤٥.
(٤) أعيان العصر ٢/ ٤١ (٤٥٢)؛ الدرر ١/ ٤٩١ (١٣٢٥).
(٥) في السلوك ٢/ ٢٧: الصاحب ضياء الدين أبو بكر بن عبد الله بن أحمد النشائيّ ناظر الدواوين.

<<  <  ج: ص:  >  >>