للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: فأين هم من الشيخ؟

قال: فضله عليهم كفضلهم على الناس.

قال: صدقت، هم كما وصفت. فأيّ بنيه أفضل وأعظم غناء؟

قال: ذاك إليه؟

قال: لا، بل قل أنت في ذلك، فإنّي أرى لك عقلا.

قال: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.

قال: أخبرني كيف فاتكم قطريّ؟

قال: كادنا بما كنّا نكيده به.

قال: فهلّا طلبتموه؟

قال: كان الحدّ أحبّ إلينا من الفلّ.

قال: أجل، أصبتم ووفّقتم. فكيف رأيت رجال الجند ورآهم؟

قال: أرضاهم الحقّ ووسعهم النفل. وهم مع رجل يقاتل معهم قتال صعلوك، ويسوسهم سياسة الملوك، فلهم منه شفق الوالد، وله منهم برّ الولد.

فقال الحجّاج: هل كنت هيّأت ما أرى؟

قال: لا يعلم الغيب إلّا الله!

فالتفت الحجّاج إلى عنبسة بن سعيد [وقال]:

هذا والله الكلام المخلوق، لا ما يضع الناس! (١)

ثمّ أحسن جائزته، وردّه إلى المهلّب.

[دخول المهلّب عليه بالبصرة]

وكتب المهلّب إلى عبد الملك بالخبر وبهرب قطريّ، وموت عبد ربّه الكبير وأصحابه، فكتب

إليه يأمره أن يستخلف على كرمان بعض ولده ويرجع إلى البصرة، فيقيم بها حتى يأتيه أمره.

فاستخلف المغيرة بن المهلّب، وخلّف معه أخاه يزيد بن المهلّب، وقدم البصرة. وبها الحجّاج مقيما، فلمّا دخل عليه نهض إليه عن سريره وسأله عن حاله وجزاه خيرا. وكان على المهلّب سيف كان الحجّاج بعث به إليه، وهو السيف الذي كان بعث به محمّد بن يوسف أخو الحجّاج إليه من اليمن، وهو سيف ذي نواس، وجد في قبر ورضوى ابنتي ذي نواس، وكان سيفا قصيرا، فبعث به الحجّاج إلى المهلّب، وكان المهلّب قبل ذلك إنّما يتقلّد سيف سعد بن أبي وقّاص. فلمّا بعث إليه الحجّاج بذلك السيف تقلّدهما جميعا.

فلمّا رأى الحجّاج سيفه على المهلّب، قال: يا أبا سعيد، ما أجود سيفك هذا لولا قصر فيه!

قال المهلّب: إنّه لا يقصر عمّن يصله بخطوه.

قال: يا أبا سعيد، ادع لي أهل البلاء من أصحابك على قدر بلائهم.

فبدأ المهلّب ببنيه، وقال: أما والله، لولا أنّي أراهم مستحقّين ذلك ما بدأت بهم، ولكنّي أكره أن أظلمهم.

ثمّ دعا بأهل البلاء بعدهم، فقام رجل من بني عامر بن صعصعة، فذكر بلاء كان منه، فصدّقه المهلّب. وقال الرجل: فو الله لقد رميت فيهم بعشرين سهما كلّها صيغة، فما أشويت، وما أنميت وبكلّها أصميت (٢).


- غير مفهومة، وفي هامش العقد: فإذا أليلوا ففرسان البيات. وفي المروج ٣/ ٣٥٩: كانوا أعداء الأبيات حتّى يأمنوا، ولعلّها القراءة الصالحة.
(١) في العقد ٢/ ٨٢: هذا الكلام المطبوع، لا الكلام المصنوع.
(٢) السهام الصيغة: صاغها صانع واحد أو على منوال واحد.
ورمى الصيد فأصماه (قتله مكانه) أو أشواه (أصابه في الشوى أي الأطراف فلم يمت) أو أنماه (أصابه ولكنّه لم يمت بين يديه فلا يحلّ الأكل منه بأنّ قد يكون مات جيفة) ومنه الحديث: كلّ ما أصميته ودع ما أنميته.

<<  <  ج: ص:  >  >>