للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استولى عليه من حاصل الكرك. فلاطفه الناصر وبعث إليه مائتي ألف درهم، فلم يقنعه، وبعثه مرّة ثانية وأمره بإغلاظ القول عليه وأخذ الخيل التي عنده والمماليك، فعزّ على الناصر وحرّكه للقيام وحبس مغلطاي فطار الخبر إلى مصر، وبلغ المظفّر، فكثر قلقه وجمع الأمراء ليأخذ رأيهم.

فاتّفقوا أن يتوجّه إليه بعض الأمراء ويتهدّده بأخذ الكرك منه متى لم يرجعوا عمّا هو فيه.

وهم في المشور إذا بكتاب الأمير آقوش الأفرم نائب الشام قد ورد يخبر بأنّ الملك الناصر قد خرج من الكرك ولا يدرى أين يقصد. فوقع العزم على تجريد العساكر، وأعيد جوابه بأخذ الطرقات عليه. وطار هذا الخبر بديار مصر. فعزم الأمير سيف الدين نوغاي القبجاقيّ أحد الزام الأمير سلّار النائب على الفتك بالمظفّر، ووافقه عدّة من المماليك. فلمّا ركب السلطان إلى جهة بركة الحجّاج للصيد، وعاد من صيده يريد القلعة، همّ نوغاي بما في نفسه، وصار يتقرّب من السلطان قليلا قليلا. ففطن البرجيّة به واستداروا حول السلطان واحترسوا عليه حتى صعد القلعة. فاتّهم البرجيّة سلّار بموافقة نوغاي وأغروه به. فاستدعاه السلطان وحدّثه في مسك نوغاي ومن وافقه، فدافع عنه وخوّف عاقبة مسكه من تغيّرالخواطر، وأشار عليه بالتغاضي وانصرف.

فبلغ الخبر نوغاي، فركب بعد المغرب من ليلة الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسع [وسبعمائة] ومعه الأمير علاء الدين مغلطاي القازانيّ، والأمير سيف الدين طقطاي الساقي، وستّون مملوكا، وشقّوا القاهرة ومرّوا، يريدون الملك الناصر بالكرك، فارتجّت القاهرة وبلغ السلطان مسيرهم فاستدعى سلّار في الليل، وبعث في طلبهم الأمير علاء الدين سمك أخا الأمير سلّار، وقطز ابن الفارقانيّ (١) في جماعة من أتباع سلّار نحو الخمسمائة فارس. فتباطئوا في السير حتى قدم نوغاي بمن معه غزّة وعرّجوا إلى الكرك بعد ما أخذوا من قطيا الحمل (٢)، وهو مبلغ مائة وعشرين ألف درهم، وأخذوا خيل الوالي والعربان. وعاد سمك من غزّة بالعسكر.

[تورّعه عن الإيقاع بسلّار]:

فزاد إغراء البرجيّة السلطان بسلّار وأشاروا عليه بقبضه وتجريد من يثق به حتى يأخذ الطرقات على من لعلّه يتسحّب من مصر إلى الكرك. فأخرج من الأمراء سيف الدين بينجار أحد أمراء الألوف، والصارم الجرمكيّ، في طائفة، وبعث الأمير جمال الدين آقوش الروميّ بجماعته إلى طريق السويس، وقبض على أحد عشر مملوكا، وأمير يقال له سيف الدين أيطرا من الأويراتيّة فيمن اتّهم بالناصر. فخاف البقيّة وخرج مائة وعشرون مملوكا من المنصوريّة والأشرفيّة والأويراتيّة وساروا، فأدركهم بينجار والجرمكي وحارباهم، فجرح الحرمكيّ في فخذه جرحا بالغا سقط منه إلى الأرض وانهزم البقيّة. وسارت المماليك حتى قدموا الكرك.

فاختلّ أمر المظفّر وكثر تأنيب البرجيّة له ولومه على الإغضاء عن سلّار، فلم تطاوعه نفسه على موافقتهم واعتذر إليهم بكثرة حاشيته وأنّ مسكه لا يتأتّى إلّا بعد حرب عظيمة لا يدرى عاقبتها. وعزم على تجريد عسكر كبير إلى الكرك، وعيّن من الأمراء برلغي الأشرفيّ زوج ابنته، [٣١٦ أ] وجمال الدين آقوش نائب الكرك، وأيبك وزير بغداد،


(١) في المخطوط: ابن القازانيّ، والإصلاح من السلوك ٢/ ٦٠.
(٢) الحمل: ما يحمل إلى خزينة السلطان من جباية ولاية ما (دوزي). وانظر السلوك ٢/ ١٠ هامش ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>