قال: بلى.
قال: أوما جعلتك في سمّاري، وكلّهم من رءوس العرب؟
قال: بلى.
قال: ألم أعطك مائة ألف درهم تفرّقها في أهل الحاجة، ثمّ لم أسألك عن شيء منها؟
قال: بلى.
قال: فما أخرجك عليّ؟
قال: بيعة كانت لابن الأشعث في عنقي.
فغضب الحجّاج، ثمّ قال: أفما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك في عنقك من قبل؟ والله لأقتلنّك! يا حرسيّ، اضرب عنقه!
ويروى أنّ الحجّاج قال لسعيد لمّا أتاه: يا سعيد، ألم أقدّم مكّة فقتلت ابن الزبير وأخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك؟
قال: بلى.
قال: ثمّ قدمت الكوفة واليا فجدّدت البيعة، فأخذت بيعتك ثانيا.
قال: بلى.
قال: فنكثت ببيعتين لأمير المؤمنين، وتوفي بواحدة للحائك ابن الحائك؟ والله لأقتلنّك!
قال: إنّي إذن لسعيد كما سمّتني أمّي!
فأمر به، ولم يفصح بمر [ ... ] ين (١).
فالتبس عقل الحجّاج عند ذلك وجعل يقول:
«قيودنا! قيودنا! »، فظنّوا أنّه يريد القيود، فقطعوا رجلي سعيد من أنصاف ساقيه، وأخذوا القيود.
فكان الحجّاج إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجامع ثوبه ويقول: «يا عدوّ الله، فبم قتلتني؟ » فيقول:
«ما لي ولسعيد بن جبير؟ ما لي ولسعيد بن جبير؟ » يكرّرها. فلم يمهل إلّا قليلا حتّى مرض ومات لخمس بقين من شهر رمضان سنة خمس وتسعين، وله من العمر أربع وخمسون- وقيل: ثلاث وخمسون- سنة، فكانت ولايته العراق عشرين سنة.
[فصاحة الحجّاج]
قال قتيبة بن مسلم: خطبنا الحجّاج، فذكر القبر حتّى بكى وأبكى. ثمّ قال: سمعت أمير المؤمنين عبد الملك يقول: سمعت مروان يقول في خطبته: خطبنا عثمان فقال في خطبته: ما نظر [٣٣٠ أ] رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى قبر أو ذكره إلّا بكى.
وقد روى عدّة أحاديث عن أنس، وابن عبّاس.
وقال ابن عون: كنت إذا سمعت الحجّاج يقرأ عرفت أنّه طالما درس القرآن.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ما رأيت أفصح من الحجّاج ومن الحسن، وكان الحسن أفصح.
[[بعض مكارمه]]
وقال عبد الملك بن عمير: قال الحجّاج يوما:
«من كان له بلاء فليقم، فلنعطه على بلائه! » فقام رجل وقال: أعطني على بلائي!
فقال: وما بلاؤك؟
قال: قتلت الحسين.
قال: كيف قتلته؟
قال: دسرته بالرمح دسرا، وهبرته بالرمح هبرا، وما أشركت معي في قتله أحدا.
قال: أما إنّك لن تجتمع أنت وهو في مكان واحد، اخرج!
(١) بقيّة الكلمة انطمست في الهامش، ولا ذكر لها عند الطبريّ ٦/ ٤٩١.