للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صعوبة الأمر فعذره القوم وخرجوا.

وألحّ عليه ابن عبّاس فو الله ما وجد بدّا من قضاء حاجتنا. فخرجنا حتّى دخلنا المسجد فإذا القوم فيه أندية. فصحت وأنا أسمعهم: إنّه والله كان أولاكم بها! إنّه والله صبابة النبوّة ووراثة أحمد صلّى الله عليه وسلّم، وتهذيب أعراقه، وانتزاع شبه طبائعه!

فقال القوم: أجمل! أجمل يا حسّان!

فقال له ابن عبّاس: صدقوا فأجمل!

فأنشأ حسّان يمدح ابن عبّاس فقال:

إذا ما ابن عبّاس بدا لك وجهه ... رأيت له في كلّ مجمعة فضلا

إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا [٢٠٦ ب]

كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا

سموت إلى العليا بغير مشقّة ... فنلت ذراها لا جبانا ولا وغلا

٥ خلقت حليفا للمروءة والنّدى ... بليجا ولم تخلق كهاما ولا جبلا (١)

فقال الوالي: والله ما أراد بالكهام والجبل غيري، فالله بيني وبينه.

وقال عطاء عن ابن عبّاس: المعروف أوثق الحصون، وأرشد الأمور، ولن يصلح المعروف إلّا بتعجيله وستره وتصغيره، فإنّك إذا عجّلته هنّأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغّرته عظّمته، وإذا مطلته نكّدته ونغّصته.

وقال عبد الله بن بريدة عن كعب

الأحبار (١*) أنّه كان عند معاوية، فقرأ معاوية: في عين حامية، فقال كعب: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف: ٨٦]، فلم يقبل منه وقال: عليّ بابن عبّاس!

فلمّا جاء قال: كيف تقرءونها؟

فوافق كعبا، فلم يرجع معاوية، فغضب كعب، فقال ابن عبّاس: لا تغضب يا كعب، فإنّك من الذين أوتوا الكتاب، تؤمن به. ومعاوية من الأحزاب ينكر بعضه.

فقال معاوية: أمشاتمي أنت يا ابن عبّاس؟

قال: إن شئت.

قال: قد شئت.

فقال: لولا البيعة التي لك عندي، ولولا السلطان لفعلت.

قال: فلا بيعة لي عليك ولا سلطان، فقل!

قال: بل أجلّك يا أمير المؤمنين وأكرمك.

فسكن بعض غضبه، ثم قام إلى الصلاة وقال:

أطبق المصحف يا غلام، فإنّي ما أرى الحرف إلّا كما قالا.

ولمّا أنكر الخوارج [٢٠٧ أ] على عليّ، رضي الله عنه، تحكيم الحكمين وانحازوا عنه، خرج إليهم ابن عبّاس، فقالوا: مرحبا بك يا ابن عبّاس، ما جاء بك؟ (٢*)

[جدال بين ابن عبّاس والخوارج]

قال: جئت لأخباركم عن أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم، فليس فيكم رجل منهم.

فقال بعضهم لبعض: لا تخاصموه، فإنّ الله


(١) في ديوان حسّان، ٣٥٩ لا ذكر للبيت الأوّل ولا للبيت الخامس.
والبليج من الرجال: الطلق الوجه. والكهام: الضعيف البطيء. والجبل: البخيل.
(١*) كعب الأحبار توفّي سنة ٣٢ ومعاوية صار خليفة بعد سنة ٤٠. وربّما جالسه حين كان واليا على الشام.
(٢*) العقد ٢/ ٣٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>