للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقول: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: ٥٨].

فقال ابن عبّاس: أخبروني ما الذي نقمتم على ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّ؟

قالوا: نقمنا عليه أنّه حكّم الرجال في دين الله، ولا حكم إلّا الله، وأنّه قتل ولم يسب، ومحا «أمير المؤمنين» وكتب اسمه.

فقال ابن عبّاس: أمّا قولكم: حكّم الرجال، فإنّ الله تبارك وتعالى حكّم الرجال في دينه في الشقاق بين الرجال والنساء، وفي أرنب ثمنها ربع درهم يصيبها المحرم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: ٩٥].

فالحكم في حقن الدماء وصلاح ذات البين أفضل.

قالوا: نعم.

[قال: ] وأمّا قولكم: قتل ولم يسب فأيّكم كان يأخذ عائشة أمّ المؤمنين في سهمه، وهي أمّه؟ فإن قلتم: ليست بأمّنا، فقد كفرتم، وإن قلتم:

نأخذها ضللتم.

وأمّا قولكم محا اسمه [من الخلافة] (١)، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو خير من عليّ وادع قريشا بالحديبيّة فكتب: «هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله». فقالوا: «لو أقررنا بأنّك رسول الله لم نخالفك». فقال: امح، واكتب: هذا ما اصطلح [عليه] محمد بن عبد الله ...

فاتّبع ابن عبّاس ألفان من الخوارج، وبقيت بقيّتهم.

وعن عكرمة عن ابن عبّاس قال: أتيت في منامي فقيل لي: هذه ليلة القدر، فقمت وأنا ناعس فتعلّقت ببعض أطناب فسطاط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنظرت فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين.

وعن محمد بن كعب قال: قال ابن عبّاس بعد أن أصيب ببصره: ما أأسى على شيء إلّا على أنّي لم أحجّ ماشيا لأنّي سمعت الله يقول: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ [الحجّ: ٢٧].

وقال ابن عبّاس لوبرة بن عبد الرحمن المسلي (١*): إيّاك والكلام فيما يعنيك (٢*) إذا كان في موضعه، ولا تمار سفيها ولا حليما، فإنّ السفيه يؤذيك، وإنّ الحليم يقليك. واذكر أخاك في غيبته بما [٢٠٧ أ] تحبّ أن يذكرك به، ودعه ممّا تحبّ أن يدعك منه.

وفي رواية: دع الكلام فيما لا يعنيك فإنّه فضل. ولا تتكلّم فيما يعنيك إذا لم تصب موضعه فإنّه جهل.

وفي رواية: دع ما لا يعنيك فإنّه فضل، ولا تكلّم بما يعنيك في غير موضعه، فربّ متكلّم بما يعنيه في غير موضعه قد عنت. ولا تمار سفيها ولاحليما، فإنّ الحليم يقليك وإنّ السفيه يؤذيك.

واذكر أخاك بما تحبّ أن يذكرك به، ودعه ممّا تحبّ أن يدعك منه. واعمل عمل من يرى أنّه مجزى بالإحسان مأخوذ بالإجرام.

وقيل لابن عبّاس: إنّ ابن الزبير ينتقصك فقال: دبى حجل، «لو ذات سوار لطمتني» (٣*). أما والله إنّي لأعرف دخلا ودخيلا، وما سببت قرشيّا قطّ إلّا يحيى بن الحكم (٤*) فاشتفى من لحم سمين واشتفيت من مثله.


(١) الزيادة من العقد ٢/ ٣٨٩، وبها يتّضح قصدهم.
(١*) وبرة المسلي: تهذيب التهذيب ١١/ ١١١ (١٩٤).
(٢*) النصيحة مستغربة، ولعلّ في الكلام سقطا: ... إذا كان في [غير] موضعه، كما يفهم من الرواية الثانية الآتية.
(٣*) لو ذات سوار ... : يضرب لمن أهانه من ليس له كفؤا.
الميداني ٣٢٢٧. ولم نفهم عبارة: دبى حجل.
(٤*) لعلّه يحيى بن الحكم الأمويّ أخو مروان بن الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>