للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحمد بن طولون، ثمّ بزاوية ابن عبّود هذا، من القرافة.

فلمّا تسلطن رفع محلّ ابن عبّود ونوّه به. فتردّد إليه الأكابر من الأمراء وغيرهم. وأتقن عمارة زاويته، وعمل بها الأوقات (١) العظيمة، وتقرّب الناس له بكلّ ما يريد، ونفذت أوامره وقبلت شفاعته، وقصده الناس لحوائجهم، وعرف بالعصبيّة والمروءة، وأنّه إذا قام في شيء لا يرجع عنه. وكان خبيرا بطرق السعي في بلوغ مقاصده، وهو الذي قام في ولاية الشيخ [٤١٠ ب] تقيّ الدين محمد ابن دقيق العيد قضاء القضاة. وما زال محترما حتى مات يوم الجمعة الثالث والعشرين من شوّال سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وقد أناف على السبعين.

١٢٦٥ - ابن أبي زرعة القاضي [٢٨٥ - ٣٢٧] (٢)

[٤٧٨ أ] الحسين بن محمد بن عثمان بن زرعة، أبو عبد الله، ابن أبي زرعة، الدمشقيّ، قاضي مصر والشام وابن قاضيهما.

ولد بمصر سنة خمس وثمانين ومائتين. وبرع في معرفة الأحكام. وولي قضاء دمشق بعد عزل أبي محمد عبد الله بن أحمد بن زبر في يوم الأحد لعشر بقين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، وهو يومئذ ببغداد، فقدمها. ثمّ ولي قضاء مصر خلافة لقاضي القضاة أبي الحسن محمد بن الحسن ابن أبي الشوارب بكتابه إليه من بغداد.

فلبس سواده وركب وبين يديه أصحاب الشرط: جانك الإخشيديّ، وأبو الحسين سعيد بن عثمان. وقرئ كتابه على المنبر وقد جلس في الجامع العتيق. واستخلف الفقيه أبا بكر محمد بن أحمد ابن الحدّاد، وذلك في سلخ ربيع الآخر سنة خمس وعشرين [وثلاثمائة] وجمع له الحكم بمصر والإسكندريّة والرملة وطبريّة ودمشق وحمص وأعمالهنّ.

وكان ينظر في المواريث ودار الضرب والأحباس. واستكتب في الأحكام أبا محمد الحسن بن عبد الرحمن بن إسحاق الجوهريّ.

واستكتب بمكاتبة السلطان أبا يعقوب الخيزرانيّ وأبا القاسم الديباجيّ. واستقضى في الأحباس عبد الله بن حكيم، ثمّ صرفه بعتيق بن عقبة ومحمد بن إبراهيم بن زرقان، وعزّ جانبه. وكان يجلس في الجامع كلّ يوم سبت ولا يسمع الشهادات ولا يعدّل أحدا إلّا في الجامع، وكان حاجبه بسيف ومنطقة. فمضت له بمصر أحكام كثيرة وعدّل جماعة كثيرة من وجوه مصر ومن الأشراف. ثمّ تنكّر له ابن الحدّاد في مراجعة في الكلام، فانصرف مغضبا وهو ينشد [طويل]:

تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلمّا انجلت قطّعت نفسي ألومها

وما بي إن أقصيتني من ضراعة ... ولا افتقرت نفسي إلى من يضمّها

وجلس في بيته. وانقطع عن أبي زرعة (٣).

فتطاول جماعة لخلافته بدل ابن الحدّاد. وكان يجلس بنفسه للحكم غدوة وعشيّة حفاظا لابن الحدّاد وليزيد غناه عنه. فتوسّط بينهما أبو محمد الحسن بن طاهر الحسينيّ، عمّ أبي جعفر مسلّم، وجاء بابن الحدّاد عشيّة إلى منزل ابن أبي زرعة،


(١) عمل الأوقات: قد يكون مصطلحا صوفيا كعمل اليوم والليلة.
(٢) الوافي ١٣/ ٤٧ (٥١) - الكندي، ٤٨٨، ٥٤٢، ٥٦٢ - السبكيّ، ٣/ ٢٨١ (١٨٠).
(٣) جملة مبهمة، فالذي انقطع هو ابن الحدّاد.

<<  <  ج: ص:  >  >>