للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ففطن عبد الله بن عمرو وقال: أشعب، تخدع خالي؟ اصدقني خبرك!

(قال) قلت: بالأمان؟

قال: بالأمان.

فحدّثته حديثي، فضحك ضحكا شديدا.

[[في بلاط الوليد بن يزيد]]

وقال أشعب: دعا الوليد بن يزيد المغنّين، وكنت نازلا معهم، فقلت للرسول: خذني فيهم.

قال: لم اؤمر بذلك، إنّما أمرت بإحضار المغنّين، وأنت بطّال (١)، لا تدخل في جملتهم.

فقلت له: لا خوف عليك، ولك مع هذا شرط.

قال: ما هو؟

قلت: كلّ ما أصيبه فلك شطره.

فقال للجماعة: اشهدوا لي عليه!

فشهدوا. ومضينا، فدخلنا على الوليد وهو لقس النفس (٢)، فغنّاه المغنّون في كلّ فنّ من ثقيل وخفيف فلم يتحرّك ولا نشط. فقام الأبجر (٣) إلى الخلاء، وكان خبيثا داهيا فسأل الخادم عن خبره وبأيّ سبب هو خاثر النفس.

فقال: بينه وبين امرأته شرّ لأنّه عشق أختها، فغضبت عليه، وهو إلى أختها أميل، وقد عزم على طلاقها وحلف لها ألّا يذكرها أبدا برسالة ولا مخاطبة، وخرج على هذه الحال من عندها. فعاد الأبجر وجلس. فما استقرّ به مجلسه حتّى اندفع يغنّي [الطويل] (٤):

فبيني فإنّي لا أبالي وأيقني ... أصعّد باقي حبّكم أم تصوّبا

ألم تعلمي أنّي عزوف عن الهوى ... إذا صاحبي من غير شيء تغضّبا؟

فطرب الوليد وارتاح وقال: أصبت يا عبيد والله ما في نفسي- وأمر له بعشرة آلاف درهم-، وشرب حتى سكر. ولم يحظ أحد سوى الأبجر بشيء. فلمّا أيقنت بانقضاء المجلس وثبت فقلت:

إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تأمر من يضربني مائة الساعة بحضرتك.

فضحك ثم قال: قبّحك الله! وما السبب في ذلك؟

فأخبرته بقصّتي مع الرسول وقلت له: إنّه بدأني من المكروه في أوّل يومه بما اتّصل عليّ إلى آخره، فأريد أن أضرب مائة سوط ويضرب بعدي مثلها.

فقال: لقد لطفت! بل أعطوه مائة دينار، وأعطوا الرسول خمسين دينارا عوضا عن الخمسين التي أراد أن يأخذها من أشعب.

فقبضتها، وما حظي أحد بشيء غيري وغير الأبجر.

*** وقال ابن أبي عتيق: دخلت على أشعب، وعنده متاع حسن وأثاث وآلات. فقلت له:

ويحك، أما تستحي أن تسأل الناس، وعندك ما أرى؟

فقال: يا فديتك، معي والله من لطيف السؤال ما لا تطيب نفسي بتركه.

وقال أشعب: كنت أنا وأبو الزناد (٥) تربين


(١) بطّال هنا بمعنى: مهرّج، مضحّك، بهلوانيّ.
(٢) لقس: ضيّق النفس.
(٣) الأبجر: عبيد الله بن القاسم: الأغاني ٣/ ٣٤٠.
(٤) الشعر لعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان.
(٥) أبو الزناد مولى عثمان؛ المعارف ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>