للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى البلاد الكتب: «من عبد الله المأمون أمير المؤمنين وأخيه الخليفة من بعده أبي إسحاق ابن هارون الرشيد». وأوصى إلى أبي إسحاق بحضرة ابنه العبّاس وبحضرة الفقهاء والقضاة والقوّاد بوصيّة قد ذكرت في ترجمته (١)، ثمّ دعا بأبي إسحاق بعد ساعة حين اشتدّ الوجع وأحسّ مجيء أمر الله، فقال: يا أبا إسحاق، عليك عهد الله وميثاقه، وذمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لتقومنّ بحقّ الله في عباده، ولتؤثرنّ طاعة الله على معصيته، إذا أنا نقلتها من غيرك إليك.

[وصيّة المأمون له بالرفق بالعلويّين]

قال: اللهمّ نعم.

قال: هؤلاء بنو عمّك ولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فأحسن محبّتهم وتجاوز عن مسيئهم واقبل من محسنهم، ولا تغفل عن صلاتهم في كلّ سنة عند محلّها، فإنّ حقوقهم تجب من جهات شتّى. اتّقوا الله ربّكم حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون. اتّقوا الله واعملوا له، اتّقوا الله في أموركم كلّها. أستودعكم الله نفسي، أستغفر الله ممّا سلف منّي، إنّه كان غفّارا، فإنّه ليعلم ندمي على ذنوبي، فعليه توكّلت من عظيمها وإليه أنيب، ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، حسبي الله ونعم الوكيل، وصلّى على محمّد نبيّ الهدى.

فلمّا مات المأمون، حمله ابنه العبّاس وأخوه أبو إسحاق إلى طرسوس، فصلّى عليه أبو إسحاق ودفناه بها. وكان قد بويع أبو إسحاق بعد موت أخيه عند ليلة الجمعة لثنتي عشرة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين عند المغرب.

وتلقّب بالمعتصم بالله، وهو أوّل خليفة أضيف إلى

لقبه اسم الله تعالى. ومن العجب أنّ الرشيد كان أخرج المعتصم من الخلافة وحوّلها إلى الأمين والمأمون والمؤتمن، فآلت الخلافة إلى المعتصم، وجعل الخلفاء من ولده، فلم يكن من أمسك أوّل خلافة قطّ (٢).

فلمّا بويع له غضب الجند ونادوا باسم العبّاس ابن المأمون. فأرسل إليه المعتصم فأحضره فبايعه، ثمّ خرج إلى الجند فقال (٣): ما هذا الحبّ البارد؟ قد بايعت عمّي.- فسكتوا، وأمر المعتصم بخراب ما كان [١٧٩ ب] المأمون أمر ببنائه من طوانة (٤) وحمل ما أطاق من السلاح والآلة التي بها، وأحرق الباقي، وأعاد الناس الذين جمعهم المأمون لغزو الروم، وردّهم إلى بلادهم، وانصرف إلى بغداد، ومعه العبّاس ابن المأمون، من غير بيعته- وقيل: يوم واحد وعشرين [شهر] رجب- فدخلها يوم السبت غرّة شهر رمضان، وهو راكب على بغل كميت بسرج مكشوف وعليه قلنسوة لاطئة (٥)، وسيف بمعاليق حتى عبر الجسر ودخل الدار التي كان ينزلها المأمون، وأحمد ابن أبي دؤاد يسايره، وهو مقبل عليه ما يساير غيره.

وصلّى أوّل جمعة من شهر رمضان بالرصافة.

وجلس للناس قبل ذلك يوم الاثنين للمظالم.

[[إسقاطه عرب مصر من العطاء]]

وقدم كتابه على كيذر بمصر بعد بيعته بها يأمره بإسقاط من في الديوان من العرب وقطع العطاء عنهم. ففعل ذلك كيذر، فخرج عند ذلك يحيى ابن الوزير الجرويّ في جمع من لخم وجذام،


(١) ترجمة المأمون مرّت تحت رقم ١٤٧٩.
(٢) هنا أيضا كلام عسير القراءة.
(٣) الطبريّ ٨/ ٦٦٧.
(٤) الطوانة: مدينة على فم الدرب ممّا يلي طرسوس (مروج ٤/ ٣٣٩).
(٥) لاطئة: لاصقة بالرأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>