للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأقبل الناس فجالدهم شبيب وأصحابه في المسجد حتّى خرجوا على وجوههم، ثمّ خرج هو وأصحابه وتبعه الناس فاضطربوا في موضع السوق ساعة. ثم زاحفهم الحجّاج وهو يمشي حتّى تعب، ومعه يومئذ أربعة آلاف من أهل الشام، فقال لهم: لا تدعنّ معكم عراقيّا غير خالد بن عتّاب بن ورقاء، فإنّه ثائر بأبيه، وغير جهم بن زحر- وكان شبيب جرح أباه.

وكانت على الحجّاج درع فانبهر، وقال:

ويحكم! ابغوني دابّة.

فطلبوا دابّة فلم يجدوا إلّا بغل سقاء أغرّ محجّلا فأتي به، فقال له سفيان بن الأبرد: أيّها الأمير، اركب هذا البغل، فإنّه أغرّ محجّل.

قال: قرّبوه، فإنّه والله يوم أغرّ محجّل.

فركبه، ثم قال: ويحكم، ذبحني العطش!

فأتي بحوّ من ماء، فكره أن يشرب منه، فأمر بدرعه فقدّ جيبها ثمّ قال: أصبّه فيما بين جلدي والدرع.

فضاربهم شبيب يومهم الأطول حتّى ألجأهم إلى البيوت، وأقبل شبيب حتى علا هو وأصحابه مزبلة تشرف على الكوفة وعلى أصحابه، ثمّ نزل وقاتل حتّى كثرت الجراحات. ثمّ ولّى بأصحابه إلى الأنبار فأقام بها، ولم يجتمع له مذ خرج إلى أن قتل أكثر من ثلاثمائة فارس.

وقال أسامة بن زيد البجلي الأحيمر [٣٢٨ أ] يعيّر الحجّاج، وقيل: بل قائلها عمران بن حطّان [الكامل]:

صدعت غزالة قلبه بكتيبة ... تركت مسامعه كأمس الدابر (١)

ليث عليّ، وفي الحروب نعامة ... هو جاء تنفر من صفير الصافر

هلّا خرجت إلى الغزالة في الوغى ... إذ صار قلبك في جوانح طائر؟

ألق السلاح، وخذ وشاحي معصر ... واعمد لمنزلة الجبان الكافر

وقال الحجّاج لأصحابه: ما ترون؟

قالوا: نرى أنّ القوم قد أثخنتهم الجراحات، فإن اتّبعوا لم يكن لهم قوام.

فوجّه علقمة بن عبد الرحمن إليه فقاتله يوما وليلة، فولّى شبيب منهزما، فبعث إليه الحجّاج سفيان بن الأبرد بن الأصمّ الكلبيّ في ألفين، فطلبه حتّى انتهى إلى دجيل، فأقبل إليه شبيب، فقطع سفيان جسر دجيل، فاستدارت السفن بشبيب فغرق، فاستخرجه بالشباك، وقطع رأسه ورأس امرأته وأمّه وعدّة من أصحابه وبعث بها إلى الحجّاج، فبعث بها إلى عبد الملك، وعدّتها سبعون رأسا، فكانت أوّل رأس قدمت من رءوس الخوارج إلى الشام.

ثمّ لمّا ضرب عبد الملك الدنانير والدراهم ونقش عليها ذكر الله تعالى، ضرب الحجّاج الدراهم ونقش فيها «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، فكره الناس ذلك من أجل أنّ الجنب والحائض يمسّها. ومنع الحجّاج أن يضرب أحد غيره، فضرب سمير اليهودي، فأمر بضرب عنقه فقال له: عيار دراهمي أجود من دراهمك فلم تقتلني ولم تتركه؟ فوضع للناس صنج الأوزان ليتركه فلم يفعل. وكان الناس يعرفون الوزن قبل ذلك.

[[ثورة عبد الرحمن ابن الأشعث]]

وخرج على الحجّاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وذلك أنّه


(١) حاشية في الهامش: مناظره دياس القابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>