ولّى عبيد [الله] بن أبي بكرة سجستان في سنة ثمان وسبعين، فأقام سنة لم يغز. وكان رتبيل ملك الترك مصالحا له يؤدّي الخراج، وربّما امتنع، فكتب الحجّاج إلى عبيد الله بمناجزة رتبيل واستباحة بلاده وهدم قلاعه وقتل رجاله. فسار في أهل البصرة والكوفة وغنم، وغلب على شيء من أراضي رتبيل حتى أمعن في بلاد الترك ودنا من مدينتهم، فأخذ الترك عليهم العقاب والشعاب فاضطرّ إلى مصالحة رتبيل، وخرج بعد ما قتلعدّة من المسلمين، فلمّا بلغ ذلك إلى الحجّاج استأذن عبد الملك في تسيير الجنود إلى رتبيل وعرّفه ما حدث بالمسلمين فأذن له في ذلك، ففرض على أهل الكوفة عشرين ألف فارس وعلى أهل البصرة عشرين ألفا، وأعطى الناس أعطياتهم كاملة وأنفق فيهم ألفي ألف درهم سوى أعطياتهم، وألزمهم أن يخرجوا بالخيول الرائعة والأسلحة الكاملة. وقدّم عليهم عبد الرحمن بن الأشعث، وكان الحجّاج يبغضه ويقول:«ما رأيته قطّ إلّا أردت قتله». وكان الشعبيّ حاضرا فبلّغ قوله ابن الأشعث، فقال:
والله لأحاولنّ أن أزيل الحجّاج عن سلطانه، فلمّا أراد الحجّاج أن يبعثه أتاه إسماعيل بن الأشعث فقال له: لا تبعثه! فو الله ما جاز جسر الصراة فرأى لوال عليه طاعة، وإنّي أخاف خلافه.
فقال له الحجّاج: هو أهيب لي من أن يخالف أمري.
وسيّره على ذلك الجيش في سنة ثمانين، فأخذ بلاد رتبيل وبثّ بها عمّاله، وحوى هو ومن معه مالا عظيما وكتب إلى الحجّاج بما فتح الله عليه، وأنّه اكتفى بما قد أصاب وعزم على الإقامة هناك عامه حتّى يجبي البلاد ويعرفها، ثمّ يأخذ في قابل ما وراءها.
فكتب إليه الحجّاج يوبّخه ويأمره بالتوغّل في أرض الترك، وهدم حصونهم وقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم. وإن لم يفعل فأخوه إسحاق بن محمد بن الأشعث أمير الناس. فقام عبد الرحمن في من معه وأعلمهم بما عزم عليه من الإقامة عامه وبما [٣٢٨ ب] بعث إليه الحجّاج، وأنّه يخاف عليهم ما نزل بأصحاب عبيد الله بن أبي بكرة. فثار إليه الناس وقالوا:«بل نأبى على عدوّ الله ولا نسمع له ولا نطيع! »، وكان فيهم أبو الطفيل عامر بن واثلة من الصحابة، فتكلّم أوّل الناس بخلع الحجّاج ومبايعة عبد الرحمن، فنادى الناس من كلّ جانب: فعلنا! فعلنا! قد خلعنا عدوّ الله!
ووثبوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على خلع الحجّاج ونفيه من العراق والنصرة له، ولم يذكروا عبد الملك بن مروان، فاستخلف عبد الرحمن على البلاد وصالح رتبيل، ورجع إلى العراق حتّى [إذا] بلغ فارس، اجتمع الناس وخلعوا عبد الملك بن مروان [وبايعوا ابن الأشعث على كتاب الله وسنّة نبيّه وخلع أئمّة الضلالة](١)، وجهاد المحلّين. وبلغ ذلك الحجّاج، فكتب إلى عبد الملك وسأله تعجيل الجنود، وسار إلى البصرة فوافاه كتاب المهلّب بن أبي صفرة أنّ أهل العراق قد أقبلوا إليك، وهم مثل السيل لا يردّهم شيء حتّى ينتهي إلى قراره.
وقدمت جيوش عبد الملك، فخرج الحجّاج من البصرة يريد لقاء عبد الرحمن فنزل تستر وقدّم عسكرا، فهزمه عبد الرحمن بعد قتال شديد في يوم عرفة سنة إحدى وثمانين وقتل منهم جمعا كثيرا.
فرجع الحجّاج إلى البصرة وعبد الرحمن يتبعه، فقتل عدّة من أصحاب الحجّاج وأخذ من أثقاله، ونزل الحجّاج الزاوية وفرّق في الناس مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم، فنزل عبد الرحمن