للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معي كاتبا، لما أعلمه منهم من الجرأة ولطف الحيلة، وأنّهم للعامل الخائن أوفق منهم للنّاصح، وأحبّ أن يصحبني ولدك هذا وتؤثرني به، فإنّي أقنع به وأرجو أن يحسن تأديبي له.

[[دخوله مصر في خدمة حسين عرق الموت]]

فلم يمكنه مخالفته وأسلمه إليه، وقدم به إلى مصر، وألزم نفسه تأديب الحسن وتقويمه كما يتولّى الوالد من ولده. ثمّ سلّم إليه ديوان البريد ووصّاه وصيّة حسنة قد ذكرت في ترجمة حسين الخادم (١)، وأعطاه أربعة آلاف دينار. ثمّ لم يخدم بعده أحدا، واتّجر في ماله، إلى أن شنأت نفس أحمد بن طولون الكتّاب بما وقف عليه من حال أحمد بن مفضّل وجرأته على اليمين الكاذبة، واحتاج من يقوم مقامه.

فسنح ذكر حسن بن مهاجر هذا، فأحضره وسأله عن مبدإ أمره، وسبب تعلّقه بحسين الخادم. فأخبره بما كان من أمره وما وصّاه به حسين، فقال: ما أحبّ من كاتبي إلّا ما وصّاك به صاحبك، لا زيادة عليه ولا نقصان منه.

ثمّ قال له: وكم أعطاك صاحبك؟

قال: أعطاني أربعة آلاف دينار.

فقال أحمد: قد أمرت لك بمائة ألف دينار، وإذا جريت على ما وصّاك به صاحبك فهذا المال قليل لك من كثير من عندي يصير إليك.

[[انتقاله إلى خدمة أحمد بن طولون]]

وخلع عليه وألزمه خدمته، وكانت المائة ألف التي أخذها ابن مهاجر هي التي أخذها أحمد بن طولون من مال أحمد بن مفضّل عند نكبته إيّاه.

فباشر ابن مهاجر، ولم ينكر أحمد بن طولون منه

إلّا تحامله على الناس. فحظي عنده بذلك، فقال له يوما: قد صحّت نصيحتك عندي، وأنت غير محتاج أن تتحامل على أحد لتزداد منزلة عندي.

وأنت تجني على نفسك من الآثام بذلك، واستيحاش الناس منّي أكثر ممّا تحرزه من الحظّ.

واعلم أنّك تزرع في قلوب الناس بما تأتيه حقد [ا] لا تفنيه الأيّام بل تتوارثه الأعقاب. فاطلب الشكر من الناس، فليس يكرهه إلّا ناقص المعرفة، جاهل بما توجبه [٥٢١ ب] السياسة، غير عالم بما توجبه النصيحة، فميّز الناس تمييز عادل فالق شرارهم بالغلظة وخيارهم بالرأفة.

وجرى في مجلس ابن عبد كان ذكر محبوب بن رجاء وحسن بن مهاجر، فطعن عليهما أكثر الحاضرين. فقال ابن عبدكان: الصدق أجمل مأثور: في كلّ منهما فضل بيّن، وإنّهما لعلى أفضل طريقة. أمّا محبوب فسريع الجواب حسن الانتزاع حلو المكاتبة. وأمّا ابن مهاجر فوقور مستصغر لنصيحة من ينصحه، بعيد الغور، لا يؤثر، على توفّر مال صاحبه ولا ما يزيّن حاله عنده، شيئا من أعراض الدنيا. ولقد اجتمعت وقت المناظرة وكلّ واحد منهما حنق على صاحبه، فقال حسن لمحبوب: أمرني الأمير أن أجلس في حلقك حتّى يفضل ما أثبتّه من الحساب الذي رفعته.

فقال له محبوب في وقته: إذا جلست في حلقي قذفتك في المخرج!

فأضحك جميع من حضر وانقطع ابن مهاجر ساعة، ثم تناظرا فقال محبوب لحسن: أنت شابّ غرّ حدث، والصواب لك أن تستشعر خوف الأمير.

فقال حسن: والله ما أخافه!


(١) هي الترجمة رقم ١٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>