للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للشعر. وقد جئت بأبيات أنشدك إيّاها، فإن أجزتها بمثلها، تبت أنا من الشعر، وإن عجزت، تتوب أنت!

فقال له الشافعي: هيه، يا هذا!

وكانت الأبيات [الكامل]:

ما همّتي إلّا مقارعة العدى ... خلق الزمان وهمّتي لم تخلق

والناس أعينهم على سلب الفتى ... لا يسألون عن الحجى والأولق (١)

لكنّ من رزق الحجى حرم الغنى ... ضدّان مفترقان أيّ تفرّق

لو كان بالحيل الغنى لوجدتني ... بنجوم أقطار السماء تعلّقي

فقال له الشافعيّ: ألا قلت كما أقول، ارتجالا:

إنّ الذي رزق اليسار فلم يصب ... أجرا ولا حمدا لغير موفّق (٢)

فالجدّ يدني كلّ أمر شاسع ... والجدّ يفتح كلّ باب مغلق

فإذا سمعت بأنّ مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدّق

وإذا سمعت بأنّ مجدودا أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقّق

وأحقّ خلق الله بالهمّ امرؤ ... ذو همّة يبلى بعيش ضيّق

ومن الدليل على القضاء وحكمه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

فقال: يا أبا عبد الله، لا قلت شعرا!

[الشافعيّ عالم قريش]

وقال الخطيب أبو بكر أحمد [بن عليّ] بن

ثابت: حدّثنا أبو سعد إسماعيل بن عليّ الأسترآباذيّ: ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ: ثنا محمد بن إبراهيم: ثنا عبد الملك بن محمد- هو أبو نعيم- حدّثنا محمد بن عون:

حدّثنا الحكم بن نافع [١٥٤ أ] بن عيّاش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب بن كيسان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «اللهمّ اهد قريشا، فإنّ عالمها يملأ طباق الأرض علما. اللهمّ، كما أذقتهم عذابا فأذقهم نوالا»، دعا بها ثلاث مرّات (٣).

قال عبد الملك بن محمد: في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ عالمها يملأ الأرض علما ويملأ طباق الأرض» علامة بيّنة للميز: أنّ المراد بذلك رجل من علماء هذه الأمّة من قريش قد ظهر علمه وانتشر في البلاد. وكتبوا تآليفه كما تكتب المصاحف واستظهروا أقواله. وهذه صفة لا تعلمها قدأحاطت إلّا بالشافعيّ إذ كان كلّ واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإن كان علمه قد ظهر وانتشر، فإنّه لم يبلغ مبلغا يقع تأويل هذه الرواية عليه؛ إذ كان لكلّ واحد منهم نتف وقطع من العلم ومساءلات، وليس في كلّ بلد من بلاد المسلمين مدرّس ومفت ومصنّف يصنّف على مذهب قرشيّ إلّا على مذهبه: فعلم أنّه يعنيه لا غيره، وهو الذي شرح الأصول والفروع، وازدادت على مرّ الأيّام حسنا وبيانا.

[شهادة أهل العراق للشافعيّ]

وقال الربيع بن سليمان: ناظر الشافعيّ محمّد بن الحسن فقطعه. فبلغ ذلك هارون الرشيد، فقال: أما علم محمد بن الحسن أنّه إذا ناظر رجلا من قريش قطعه سائلا ومجيبا،


(١) في الهامش حاشية: عن العاقل والأحمق.
(٢) في الديوان ٦٤: فغير.
(٣) حديث عالم قريش في تاريخ بغداد ٢/ ٦١، وفي الحلية ٦/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>