للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأساء فيهم السيرة. فثاروا به وأخرجوه وكاتبوا ملك الروم، فبعث إليهم بطريقا فحكم فيهم مدّة، فلم يصبروا له ووثبوا به وأخرجوه عنهم، وبعثوا إلى المستنصر يطلبون عفوه ويستصرخونه، فكتب إلى مستخلص الدولة [الكلبيّ] ابن أبي الحسين، فوليهم مدّة. ثمّ بعثوا يشكون منه، فسيّر الوزير صمصام الدولة ابن لؤلؤ، أحد الأمراء- وكان رجلا عاقلا- ومعه خلع نفيسة وأمر [هـ] أن يصلح ذات بينهم، فإن رضوا بابن أبي الحسين خلع عليه وقرأ سجلّه بتجديد ولايته. وإن امتنعوا من الطاعة له، لبس هو الخلعة وقرأ سجلّا كتب له بولاية صقلّيّة، وأن يتلطّف في إخراج بني أبي الحسين من جزيرة صقلّيّة ويحملهم إلى القاهرة. فسار إلى صقلّيّة وتحدّث في الصلح، فامتنعوا من ذلك ولم يجد فيهم حيلة. فأظهر سجلّه ولبس خلعته فرضوا به، وأخرج جميع من كان بصقلّيّة من بني أبي الحسين، وهم زيادة على ثلاثين رجلا، وخلت منهم، فاستقام أمره.

[إرجاعه الصليحيّ باليمن إلى الطاعة]

وبعث الوزير رسله إلى اليمن، وقد ثار فيها علي بن محمد الصليحيّ، فما زالوا به حتى دخل في طاعة الدولة وبعث النجاوى إلى القاهرة، ومعها هديّة جليلة تبلغ عشرة آلاف دينار، فجاء من ذلك ما ليس في المظنون ولم ير مثله فيما تقدّم.

ثمّ إنّه عطف على النوبة وأضعف عليهم البقط، فحملوه واستمرّ بعده.

[[حزمه في معاملة الروم البيزنطيين]]

وكانت الهدنة قد انعقدت مع الروم في وزارة أبي نصر الفلاحيّ، وقدم من قبلهم رسولان، أحدهما يعرف بابن اصطفانوس هو المتكلّم- وكان داهية أديبا شاعرا نحويّا فيلسوفا نظّارا، ولد ببلاد الروم ونشأ بأنطاكية، ودخل إلى العراق وأخذ عن العلماء والأدباء، فاشتهر ذكره وبعد صيته.

والآخر صاحب حرب يعرف بميخائيل، فأعجبهما زيّ الدولة وكريم أفعالها وجميل سيرتها، سيّما ميخائيل فإنّه أطربه ذلك، وكان خيّرا عاقلا. فلمّا عاد [ا] إلى بلادهما، قضت الأقدار بموت متملّك الروم وتملّك ميخائيل هذا بعده، فأقام في المملكة نحو الخمس سنين.

وقصر النيل بمصر في سنة أربع وأربعمائة، ولم يكن بالمخازن السلطانيّة شيء من الغلال، فاشتدّت المسغبة، وغلا السعر، وكان لخلوّ المخاون سبب: وهو أنّ الوزير الناصر للدين أبا محمد اليازوريّ لمّا أضيف إليه القضاء في وزارة أبي البركات الجرجرائيّ، كان ينزل إلى جامع عمرو بن العاص بمصر في يومي السبت والثلاثاء من كلّ أسبوع ليجلس في الزيادة منه (١) للحكم، على رسم من تقدّمه من القضاة. فإذا صلّى العصر طلع إلى القاهرة، وكان في كلّ سوق من أسواق مصر عريف على أرباب كلّ صنعة يتولّى أمورهم.

ومن عادة أخباز مصر في أزمنة الغلاء أنّها متى بردت لم يرجع منها إلى شيء لكثرة ما تغشّ به، وكان لعريف الخبّازين دكّان يبيع الخبز. وبجانبها دكّان رجل صعلوك يبيع بها الخبز أيضا، والسعر يومئذ أربعة أرطال بدرهم وثمن. فرأى الصعلوك أنّ خبزه قد كاد يبرد، فخاف من كساده فنادى عليه: أربعة أرطال بدرهم! [٣٦٣ أ] ليرغّب الفقير فيه. فمال الناس إليه لأجل تسمّحه بثمن درهم، واشتروه بأجمعه، وبقي خبز العريف عشرة دراهم، فلم يطق ذلك ومضى إلى الجامع واستغاث بقاضي القضاة، وكان هناك، فأحضر


(١) أي: في الجناح الذي زيد إلى البناء الأصليّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>