للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا ما تسمع وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: ٤٢].

ولمّا تجهّز المعتصم لغزو عمّوريّة حكم المنجّمون على ذلك الوقت أنّه لا يرجع من غزوة، فإن رجع كان مفلولا خائبا لأنّه خرج في وقت نحس، فكان من فتحه العظيم وظفره ما كان. فقال أبو تمّام في ذلك قصيدة أوّلها [البسيط]:

السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية، أم أين النجوم، وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب؟

تخرّصا وأحاديثا ملفّقة ... ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب

عجائبا زعموا الأيّام مجفلة ... عنهنّ في صفر الأصفار أو رجب

وخوّفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربيّ ذو الذنب

وصيّروا الأبرج العليا مرتّبة ... ما كان منقلبا أو غير منقلب

يقضون بالأمر عنها، وهي غافلة ... ما دار في فلك منها وفي قطب

لو بيّنّت قطّ أمرا قبل موقعه ... لم تخف ما حلّ بالأوثان والصلب

وقال يحيى بن معاذ: كنت أنا ويحيى بن أكثم نسير مع المعتصم، وهو يريد بلاد الروم، فمرّرنا براهب في صومعة، فوقفنا عليه فقلنا: أيها الراهب، أترى هذا الملك يدخل عمّوريّة؟

فقال: لا، إنّما يدخلها ملك أكثر أصحابه أولاد زنا.

فأتينا المعتصم فأخبرناه، فقال: أنا والله صاحبها: أكثر جندي أولاد زنا، إنما هم أتراك وأعاجم.

وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: سمعت المعتصم يقول: إذا لم يعدّ الوالي للأمور أقرانها قبل نزولها أطبقت عليه ظلم الجهالة.

[قوّة بدنه]

وقال أحمد بن أبي دؤاد: كان المعتصم يخرج ساعده إليّ ويقول: يا أبا عبد الله، عضّ ساعدي بأكثر من قوّتك!

فأقول: والله يا أمير المؤمنين، ما تطيب نفسي بذلك.

فيقول: إنّه لا يضرّني.

فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنّة [١٨٦ أ] فضلا عن الأسنان.

وانصرف يوما من دار المأمون إلى داره، وكان شارع الميدان منتظما بالخيم فيها الجند. فمرّ بامرأة تبكي وتقول: ابني! ابني! - وإذا ببعض الجند قد أخذ ابنها. فدعاه وأمره بردّ ابنها عليها، فأبى. فاستدناه فدنا منه، فقبض عليه بيده فسمع صوت عظامه، ثمّ أطلقه من يده فسقط. وأمر بإخراج الصبيّ إلى أمّه.

وجعل زند رجل بين إصبعيه فكسره.

وذكر أحمد بن أبي دؤاد المعتصم يوما [ف] أسهب في ذكره، وأكثر من وصفه، وأطنب في فضله، وذكر من سعة أخلاقه، وكرم أعلاقه، وطيب مركبه، ولين جانبه، وجميل عشرته، ورضيّ أفعاله، وقال: قال لي يوما وكنت بعمّوريّة: ما تقول يا أبا عبد الله في البسر؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، نحن ببلاد الروم،

<<  <  ج: ص:  >  >>