قال: منعني من ذلك أنّي خفت أن يسألني الله:
لم فعلت؟ ويسألك: لم رضيت؟ وقد كره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك.
فسكت، وخرج فرج بن فضالة.
وقال المنصور يوما [٩٣ أ] لهشام بن عروة:
أتذكر يا أبا المنذر حيث دخلت أنا وإخوتي مع أبي الخلائف وأنت تشرب سويقا؟ فإنّا لمّا خرجنا قال لنا أبونا: يا بنيّ استوصوا بهذا الشيخ، فإنّه لا تزال في قومكم عمارة ما بقي مثله.
فقال: ما أذكر ذلك.
فلمّا خرج هشام قيل له: ذكّرك أمير المؤمنين شيئا يتوسّل بدونه!
فقال: لم أذكر ما ذكّرني، ولم يعوّدني الله في الصدق إلّا خيرا.
ودخل عليه سوّار بن عبد الله بن قدامة بن عنزة بن أثلث بن عمرو بن الحرث بن خلف بن الحرث بن جعفر بن كعب بن العنبر العنبريّ قاضي البصرة فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ادن أبا عبد الله!
فقال: أدنو على ما مضى [عليه] الناس أم ما أحدثوا؟
فقال: على ما مضى عليه الناس.
فدنا ومدّ يده فصافحه، ثم جلس.
وكتب إلى سوّار في بعض الأمور فكان في ذلك إضرار بقوم، فلم ينفّذ سوّار الكتاب فاشتدّ ذلك على المنصور. فكتب إليه سوّار: عدل سوّار مضاف إليك وزين لخلافتك.
فسكن غضبه وأمسك عن ذلك الأمر.
ونظر يوما إلى بعض القضاة وبين عينيه سجّادة فقال له: لئن كنت أردت الله بالسجود، ما ينبغي لنا أن نشغلك عنه. وإن كنت إنّما أردتنا بهذه السجّادة، فينبغي لنا أن نحترس منك.
وكان يحيى بن عروة رضيع أبي جعفر المنصور، وهو مولى لهم، فصيّره على ثقله عام حجّ. فلمّا دعا عبد الله بن عليّ إلى نفسه حمل ثقل أبي جعفر وجواريه وصار إلى عبد الله بن عليّ.
فلمّا هرب استخفى يحيى، ثمّ ظفر به المنصور فأمر فقطّع بالسيوف.
[[قتل أبي مسلم]]
وكان أبو مسلم إذا أتاه كتاب المنصور وقرأه لوّى شدقه ثمّ ألقاه إلى أبي نصر مالك بن الهيثم فيتضاحكان. ويبلغ المنصور ذلك فيقول: إنّا لنخاف من أبي مسلم أكثر ممّا كنّا نخاف من حفص بن سليمان- يعني أبا سلمة الخلّال.
فلمّا فرع أبو مسلم من محاربة عبد الله بن عليّ وحوى عسكره وما فيه بعث المنصور إليه مرزوقا أبا الخصيب لإحصاء ذلك. فغضب أبو مسلم وقال: ما لأبي جعفر ولهذا؟ إنّما له الخمس!
فقال أبو الخصيب: هذا مال أمير المؤمنين دون الناس. وليس سبيل هذا سبيل ما له منه الخمس.
فشتمه وهمّ بقتله ثمّ أمسك. وبعث إليه المنصور يقطين بن موسى ليحصي ما في عسكر عبد الله بن عليّ. فقال أبو مسلم: أفعلها [٩٣ ب] ابن سلامة الفاعلة؟ - لا يكنّي-.
فقال يقطين: عجلت أيها الأمير، إنّما أمرني أن أحصي ما وجد في عسكر الناكت ثم أسلّمه إليك لتعمل فيه برأيك وتصنع به ما أردت، ويكون قد عرف مبلغه.
فلمّا ورد يقطين على المنصور أبلغه ما قال أبو