للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[[مقتله على ماء باخمرى]]

واقتتل الفريقان أشدّ قتال، فانهزم حميد بن قحطبة، وكان على مقدّمة عيسى، وانهزم معه الناس حتى بقي عيسى في نفر يسير. فبينا هم كذلك لا يلوي أحد على أحد إذ أتى جعفر ومحمد ابنا سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس من ظهور أصحاب إبراهيم، لا يشعر [بهما] باقي أصحابه الذين يتبعون المنهزمين حتّى نظر بعضهم، فإذا القتال من ورائهم فعطفوا نحوه ورجع أصحاب المنصور يتبعونهم، وكانت الهزيمة على أصحاب إبراهيم. فمنعهم الماء من الفرار، وثبت إبراهيم في نفر يبلغ ستّمائة، وقيل: أربعمائة.

وقاتل، فجاءه سهم غائر وقع في حلقه فنحره.

وتنحّى عن موضعه وقال: أنزلوني- فأنزلوه وهو يقول: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [الأحزاب: ٣٨]، أردنا أمرا وأراد الله غيره. واجتمع عليه خاصّته يحمونه فشدّ عليهم [حميد بن] قحطبة بمن معه فقاتلوهم أشدّ قتال حتى أزالوهم عن إبراهيم، وخلص إليه أصحاب حميد فحزّوا رأسه وأتوا به عيسى، فسجد وبعث بالرأس إلى المنصور.

وكان قتله يوم ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة. ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلّا خمسة أيّام.

ولمّا وضعت رأس إبراهيم بين يدي المنصور، بكى حتّى جرت دموعه ثمّ قال: أما والله إن كنت لهذا كارها، ولكنّك ابتليت بي، وابتليت بك.

ومن شعر عبد الله بن مصعب [بن ثابت بن عبد الله بن الزبير] يرثي إبراهيم، [الكامل]:

يا صاحبيّ دعا الملامة واعلما ... أن لست في هذا بألوم منكما

وقفا بقبر ابن النبيّ فسلّما ... لا بأس أن تقفى به فتسلّما

قبر تضمّن خير أهل زمانه ... حسبا وطيب سجيّة وتكرّما

رجل نفى بالعدل جور بلاده ... وعفا عظيمات الأمور وأنعما

لم يجتنب قصد السبيل، ولم يحد ... عنه، ولم يفتح بفاحشة فما

لو أعظم الحدثان شيئا قبله ... بعد النبيّ لكنت أنت المعظما

أو كان أمتع بالسلامة قبله ... أحد لكان قصاره أن يسلما

ضحّوا بإبراهيم خير ضحيّة ... فتصرّمت أيّامه وتصرّما

بطل يخوض بنفسه غمراتها ... لا طائشا رعشا ولا مستسلما

حتى مضت فيه السيوف وربّما ... كانت حتوفهم السيوف وربّما

أضحى بنو حسن أبيح حريمهم ... فينا، وأصبح نهبهم متقسّما

ونساؤهم في دورهنّ نوائح ... سجع الحمام إذا الحمام ترنّما

يتوسّلون بقتلهم ويرونهم ... شرفا لهم عند الإمام ومغنما

والله لو شهد النبيّ محمّد ... صلّى الإله على النبيّ وسلّما [٤٤ ب]

إشراع أمّته الأسنّة لابنه ... حتّى تضمّخ من ظباتهم دما

حقّا لأيقن أنّهم قد ضيّعوا ... تلك القرابة، واستحلّوا المحرما

ومن كلام إبراهيم الذي حفظ عنه، وهو يخطب بجامع البصرة: كلّ فكر في غير صلاح سهو، وكلّ

<<  <  ج: ص:  >  >>