للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبعث بالكتاب مع محمد بن الحضين العبديّ.

فلمّا قرأه أبو جعفر بكى. وحمّل عيسى بن عليّ وعيسى بن موسى محمد بن الحضين كتابين إلى أبي مسلم بالتعزية بأبي العبّاس والتهنئة بولاية أمير المؤمنين أبي جعفر. وقال محمد بن الحضين لأبي جعفر المنصور حين قرأ كتاب عيسى بن عليّ إليه: قد أعقب الله المصيبة الجليلة بالنعمة العظيمة، فأحسن الله يا أمير المؤمنين من المصيبة عقباك، وبارك لك فيما ولّاك وأعطاك!

فأمر له بخمسمائة دينار- ويقال: بألف دينار.

وكتب إلى عيسى بن عليّ بأبرّ كتاب وألطفه، وجزّاه الخير على ما كان منه. وكتب إلى عيسى بن عليّ وعيسى بن موسى في القيام بأمر الناس وضبط ما قبلهما إلى قدومه.

[خروج عبد الله بن عليّ]

وكتب عيسى بن علي إلى عبد الله بن عليّ بالخبر، وعزّاه عن أبي العبّاس، وهنّأه بولاية أبي جعفر، وأنفذ الكتاب مع أبي غسّان حاجب أبي العبّاس، والهيثم بن زياد الخزاعيّ. فلمّا دخلا عليه سلّم الهيثم بالإمرة، وسلّم أبو غسّان بالخلافة. فقال الهيثم: مه! فإنّ أبا العبّاس قد استخلف أبا جعفر أخاه.

فقال عبد الله: أنا [٨٩ ب] أحقّ بالأمر منه: إنّ أمير المؤمنين رحمه الله ندب الناس إلى الجعديّ فتثاقلوا عنه، فقال: «من انتدب إليه فهو الخليفة من بعدي! » فانتدبت.

فقال الهيثم: نشدتك الله أن تهيج الفتنة وتعرّض أهل بيتك لزوال النّعمة!

فقال: اسكت لا أمّ لك!

وقام فخطب فنعى أبا العبّاس وادّعى أنّه ولّاه الخلافة بعده. فصدّقه أبو غسان، وكذّبه الهيثم ورجل آخر معه، فأمر بالهيثم والرجل فضربت أعناقهما. وخرج من دابق (١*) وكان متوجّها إلى بلاد الروم للغزو في مائة ألف: فقال له ابن حنظلة البهراني: يا أمير المؤمنين، الرأي أن توجّه ألفرجل وتبعث عليهم رجلا تثق بصرامته وبأسه ونصيحته وتأمره أن يأخذ طريق السماوة (٢*)، فلا يشعر أبو جعفر وأبو مسلم إلّا بموافاته إيّاهما، وتغذّ أنت السير حتى تنزل الأنبار.

فلم يقبل مشورته لأنّه من أهل الشام.

وقد كان أبو جعفر خاف هذا الفعل من عبد الله بن عليّ، فأسرع حتّى نزل الأنبار، فسأل عن عبد الله بن عليّ فأخبر أنّه بحرّان قد صمد صمد مقاتل بن حكيم العكّي لإبائه بيعته حتّى يجتمع الناس. فحمد الله على ذلك. ثمّ بلغه أنّه قد أخذه وبعث به إلى عثمان بن سراقة فحبسه بدمشق، فقال: لله العكّي! ماذا يذهب منه!

وقد روي أن أبا جعفر لمّا بلغه خبر وفاة أبي العبّاس دعا إسحاق بن مسلم العقيليّ، وقد حجّ معه فقال له: ما ترى أن نصنع؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان عبد الله بن عليّ حازما فسيوجّه خيلا تلقانا في هذه البراريّ فتحول بيننا وبين دار الخلافة وتأخذنا أسرا. فاقعد على دوابّك، فإنّما هي ليال حتّى نقدم الأنبار.

قال: فإن هو لم يخالف؟

قال: فلا حياة به. والرأي إغذاذ السير على كلّ حال.

فارتحل أبو جعفر وقدّم أبا مسلم أمامه يطوي المراحل إلى الأنبار. وندب أبا مسلم إلى عبد الله بن عليّ فسارع إلى محاربته.


(١*) دابق: من أعمال عزار قرب حلب.
(٢*) السماوة هي البادية بين الكوفة والشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>