للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأنّ بعد المسافة بيننا وبينه يمنع من الانتصاف منه، والوصول إليه بما يكره. وقد تلطّفنا في أخذ سكّينه من دواته. وها هي! فأنفذها إليه وأعلمه أنّا كما تلطّفنا في أخذها [ف] إنّنا نتلطّف في ذبحه بها. ودفعها إليه، فكتب الوكيل بذلك إليه فازداد شرّا وبطرا وطغيانا. فدسّ إليه من أخذ نعله- وكان يمشي في الأحذية السنديّة- فلمّا وصلت أحضر الوكيل وأعلمه بما [٣٦١ ب] انتهى إليه من جهل صاحبه، وقال: اكتب إلى هذا البربريّ الأحمق، وقل له: إن عقلت وأحسنت أدبك، وإلّا جعلنا تأديبك بهذه!

[انتقامه من المعزّ الصنهاجيّ بإرسال الأعراب على إفريقيّة]

فكتب إليه، فجرى على عادته في إطلاق الكلام القبيح. فتشمّر له حينئذ اليازوريّ (١)، وبعث مكين الدولة الحسن بن علي بن ملهم، أحد الأمراء، إلى طرابلس المغرب، وبها من العرب زغبة ورياح وقد حدثت بينهما حروب، فسار إليهما بخلع كثيرة وأموال وافرة ليصلح بينهما، فتحمّل ما كان بينهما من الدماء، ودفع إليهم الديات، وزاد في إقطاعاتهم. وبعثهم على محاربة إفريقيّة وأباحهم ديار ابن باديس، وقام في هذا قياما عظيما حتّى سار المذكورون واستولوا على أعمال القيروان وضايقوا ابن باديس وحصروه إلى أن نفدت أمواله وقلّت عدده وتفلّت منه رجاله وأشرف على التلف ففرّ بحشاشته في زيّ امرأة من القيروان إلى المهديّة، وترك حرمه وداره وأمواله وغلمانه. فأخذ العرب المدينة وقتلوا الرجال

وسبوا النساء ونهبوا ما كان في قصوره وجالوا في المدينة وأخربوها. وحمل ما نهب إلى القاهرة من الآلات والأسلحة والعدد والخيام، وكان لدخول ذلك يوم عظيم.

وكان في البحيرة طائفة يقال لها بنو قرّة قد اقتطعوها وملكوها وعمّروا ضياعها، واشتدّت شوكتهم، وخشن جانبهم وعظم أمر مقدّميهم حتّى انتشر ذكرهم وذلّ لهم عدوّهم وثقل أمرهم حتى [على] ولاة الإسكندريّة، واجتمع معهم الطلحيّون فصاروا يدا واحدة. وكانت لهم واجبات على الدولة، ولم يكن لهم إقطاع، بل كان ما يستحقّونه من واجباتهم يحمل مع واجبات العسكر بالإسكندريّة إلى الوالي فينفقه فيهم. وكان الواليبالإسكندريّة في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ناصر الدولة حسن (٢) بن حمدان والد ناصر الدولة الثائر بالقاهرة على المستنصر، فلمّا انقضت سنة أربع وأربعين وأربعمائة استحقّ الطلحيّون على الدولة عن واجباتهم ثلاثة آلاف دينار، فواصلوا اقتضاء ناصر الدولة إنفاقها فيهم، فوعدهم، وكتب إلى الحضرة يلتمس لهم ذلك. فوعده الوزير أنّه إذا حمل إلى رجال العسكر استحقاقاتهم حمل ذلك في جملته، وكان قد بقي لحمل المال مدّة شهرين، فاستبعدوا الصبر إلى ذلك الوقت وواصلوا مطالبته، وحملوا بني قرّة على معونتهم عليه. فاضطهدوه وألزموه بالمسير معهم ومع جيرانهم الطلحيّين إلى الحضرة لالتماس ذلك.

فلم يجد بدّا من إجابتهم، وسار معهم إلى الجيزة


(١) عند ابن خلدون ٤/ ٦٢ جاء التهديد على هذا الشكل: أمّا بعد، فقد أرسلنا إليك خيولا، وحملنا عليها رجالا فحولا، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا* [الأنفال:
٤٤]. وانظر: الاتّعاظ ٢/ ٢١٥.
(٢) في المخطوط: حسين، وإنّما هو حسن، وقد مرّت ترجمته برقم ١١٧٩ ولم يقل فيها المقريزي أنّه ولي الإسكندريّة، وإنّما خلف أباه الحسين على ولاية صور.
وعبارة الاتّعاظ ٢/ ٢١٨: ناصر الدولة بن حمدان أبو ناصر الدولة حسين ...

<<  <  ج: ص:  >  >>